الجمعة، 29 أبريل 2011

قنوات الفتن (Delete)

البحث العلمي والتنقيب في طيات الصفحات وسبر أغوار المسائل العلمية والفكرية والفلسفية والعقائدية على وجه الخصوص أمر ممدوح جُبِل عليه الإنسان وحثَّ عليه القرآن ولم تنكره الدساتير ولا القوانين، ولا يمكن منع أحد من التفكير إلا بشغل الذهن بأمور أخرى تافهة كانت أو مهمة، كما لا يستطيع أحد إجبار الناس على عقيدته حيث {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} شرعاً وعقلاً.
ولكن هبوط المسائل العقائدية من أطوار التفكير والبحث العلمي إلى أطوار التكفير والتعصب الجاهلي أمر ذو خطر عظيم، فالنزول بمسائل الخلاف من دائرة العقل وأروقة الفكر إلى دوائر الشوارع ما هو إلا مشروع فتنة يقتات عليها بعض المجانين فيحرقوا البلاد والعباد، ولا أبالغ إن قلت إن أغلب أتباع الفتن لم يدققوا مسألةً علمية ولم يمحصوا دليلاً بل لم يخطر ببال أغلبهم التحقيق في عقيدته وإنما اتخذها بتأثير التبعية للبيئة المحيطة ودخل بالجعجعة مع هذه البيئة كما يقول المثل (مع الخيل يا شقرا).
إن فِعل البعض من عدم احترام مقدسات الغير مع إلزامهم بمقدساته ضَربٌ من الخبال والعبث الفكري فلو كانت مقدسات الناس واحدة لما اختلفوا عليها، ولو لم يبدأ أحد بالتعدي المخزي على مقدسات الآخر لما كان هناك الطرف الذي يرد، فكل فعل له ردة فعل {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}، مع إن أغلب المسائل المطروحة اليوم قد طرقت وأشبعت بحثاً منذ مئات السنين دون حدوث مثل هذه الزوابع التي ساعد عليها الإعلام وسهولة التواصل. يعبر دائما عن الفتنة بالنار لأنها تأكل الجميع ولا تفرق وللنار ثلاثة أطراف (مثلث الاحتراق) فمثيرو الفتن الذين بيدهم أدوات إشعالها طرف، والمادة المشتعلة وقود النار التي هو عموم الناس في الفتن طرف، والعنصر المساعد على الاشتعال الذي هو الإعلام الفتنوي طرف النار الثالث، فأصحاب الفتنة لو لم يجدوا التهليل والتطبيل ووجدوا الردع والتنكيل لما تجرأوا عليها، ولو حصنا أنفسنا واعتصمنا بحبل الله ولم نتفرق ونتبع كل ناعق وناهق لما كنا حطباً لهذه النار تلتهمنا، ولو حجبنا العنصر المساعد على الاشتعال لم نكن لنحترق، فاختلال أي الأطراف الثلاثة كفيل بإخماد الفتنة.
بقيت قنوات الفتن في الكثير من البيوت تبث سمومها وتحرض الناس على خوض فتن جديدة لتعيد النار التي تسترزق منها إلى الهشيم، فلو سددنا الآذان عنهم منذ البداية لما ازدهروا وراجت بضاعتهم ولوصموا بالعار بدل الفخار، وإن اتخذنا الآن موقفاً حازماً تجاه قنوات الفتن سواء كانت فضائيات أو مواقع إنترنت أو غيرها وقلنا لهم (Delete) وأعطينا كل مثير للفتنة (Block) سيضمحلون بائرين ويعود بلدنا إلى سابق عهده، وإن لم نفعل فستبقى نار الطائفية متأججة تتنقل من موضعٍ لآخر تلتهم المجتمعات ولن تدعنا ووطننا إلا رماداً. 





تاريخ النشر: الجمعة, أكتوبر 15, 2010

http://www.aldaronline.com/dar/Detail2.cfm?ArticleID=119845

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق