السبت، 31 ديسمبر 2011

مسؤوليتنا الوطنية وطبقات المرشحين الثلاث


مسؤوليتنا الوطنية وطبقات المرشحين الثلاث

لاشك إننا نرنوا مستقبلا يشرق بالأمل ، لنرى بلادنا تزدهر ، لاشك إننا مللنا التخلف وخيبة الأمل ، لاشك إننا نريد لكويتنا الأفضل ، فقد مررنا بأيام عصيبة على أغلب الأصعدة ، واختلطت خيوط الظلمة بأشعة الشمس أو إننا فقدنا التميز بينهما ، أياً كان فنحن كمواطنين أصحاب المسؤولية الأساسية في هذا البلد لتطوره ورقية ، وإن كانت مسئوليتنا ليست مباشرة ولكنها مؤثرة ألسنا مصدر السلطات ، أليس مجلس الأمة هو ذراعنا الذي استطاع يوما عزل أمير وتعين آخر ، ولنا عبره سلطة الرقابة والتشريع والمحاسبة السياسية ، إذن الخلل منا والضرر علينا ، والإصلاح يبدأ منا ليعود بالنفع علينا .

تبدأ مشكلتنا في الإختيار دائما ، وغالبنا ما نعرف الأشخاص الصالحين ، ولكن يحول بيننا وبين إيصالهم لمجلس الأمة أمور أبرزها ضعفهم ، فهذا الأصلح ضعيف وذاك الصالح ضعيف ، وغالبا تحترق كثير من الأصوات ليأخذ أحدهم مركز متقدما بفرق شاسع ، ويخسر الكثير من الصالحين .

ولا أعتقد إن هناك خلاف كبير بين الناخبين ، إن فوز الأفضل مهم ، ولكن إن لم يمكن فوز الأفضل لماذا ندع الأسوأ هو الذي يفوز ويصل لقبة البرلمان ليمثلنا ؟

ولماذا لا ننتقل من الأفضل إلى التالي له بالفضل وهكذا ؟

فهناك معيارين أساسيين في هذا المضمار ، أن يكون المرشح ذو فضل ، وأن تكون هناك إمكانية لفوزه حتى لا يحرق الأصوات على التالين له بالفضل فنخسر الجميع .

وعلينا كلنا أن نفكر بوصول الكفاءات التي نريدها ، ولذلك يمكن أن نقسم المرشحين من الذين نقبلهم أو نرى بهم الفضل على غيرهم إلى ثلاث أقسام :
الأول : المرشحين الذين يضمنون فوزهم أو هناك احتمال عالي جدا لفوزهم ، سواء كان ذلك لمحبوبيتهم العالية وقوة قواعدهم وقبولهم عند أبناء الدائرة ، أو لكونهم مرتبطين بتجمعات وأحزاب لها قواعد تؤهل مرشحيها للفوز .
والقسم الثاني هم أولئك الأفاضل الذين لهم قاعدة جيدة ويقتربون من دائرة الفوز ويحمون حولها .
والقسم الثالث : هم أولئك الأعزاء الذين يمكن أن نحبهم ونريد أن نرضيهم أو نريد أن نبرزهم ولكن المتوقع لهم وقت التقييم عدم إمكانية فوزهم ، فغالبا قواعدهم محدودة ، والضغوط ضدهم قوية وفعلهم مقابلها ضعيف ، فتكون خسارتهم مسلمة أو شبه مسلمة .
وهكذا نجد صوتين "محروقين" أو قل ضائعين ، أحدهما الصوت الذي يعطيه الناخب للقسم الثالث من المرشحين الذين نقطع بعدم تمكنهم من الوصول للمجلس ، فالأفضل من أن نرضي أحباءنا من هذا القسم بصوت ، هو أن ينسحب المرشح حفاظا على أصواتنا من الضياع ، ولتمكين غيره من ذوي الكفاءة ، والصوت الآخر الضائع هو الصوت الذي يعطيه الناخب لرفع مرتبة المرشح الذي ضمن أو شبه ضمن فوزه بمرتبة متأخرة ، فيعطى الصوت ليس ليفوز بل ليصل لمرتبة متقدمة ، ولعل الفرق في بعض الأحيان بين جعل بعض المرشحين في المرتبة الخامسة وترقيته للمرتبة الأولى كفيل بفوز مرشح آخر ذو كفاءة ، فماذا لو تكرر هذا الوضع مع أكثر من مرشح ، ألا نخسر نحن كمواطنين نائب كفء آخر أو أكثر ؟
أما القسم الثاني من المرشحين فهؤلاء الصوت فيهم ذو فائدة فاحتمالية الفوز بعد استثناء الأولين تكون عالية ، وإن فاز بعضهم بعدد صغيرة نسبيا ومن لم يفز منهم كان على حافة النجاح .
وأما تقيم وضع المرشح في أي مرتبة ، تارة يكون واضحاً منذ الأساس وقبل الشروع بالترشح سواء كان سلبيا أو إيجابيا ، ثم يمكن تقييمه في الأيام الأخيرة من الانتخابات آخر أسبوع تقريبا ، فيظهر المرشح الذي لم يستطع الوصول لمقبولية عالية ، وهنا على من رأى خسارته محققة أو شبه محققه أن ينسحب ليفتح المجال لغيره من الأفاضل خدمةً لما يحمل من هم وطني ، ومن ثم ليلة الانتخابات حيث تبدأ القرارت تتخذ والمتغيرات تكون أقل ، والأهم يوم الانتخابات وقبل إقفال الصناديق حيث يظهر من وصل لمرحلة الآمان ومن صار بعيدا جدا عن جبر نقص الأصوات عنده ، كما يظهر من يحتاج القليل من الدعم ليصل للقبة البرلمان .
أما السؤال الأهم والأصعب إجابة وتطبيقاً : من هو القادر على التقييم في اليوم الأخير وفق ما تقدم ؟
إن كان المرشح أو النائب إنسان وطني نزيه ويريد الخير للكويت ، عليه أن يكون صادقاً مع نفسه وغيره ويخرج من دائرة الأنانية في اللحظات الحساسة الحاسمة ، ويكشف المعلومات ولو في وقت متأخر حتى يساعد غيره ، وإلا عليه – وعليهم كمجمل المرشحين - تحمل النتيجة المرتبة على أراء الناخبين والمراقبين التي تحاول استشفاف الواقع عبر الظواهر من كلمات وأحداث وسلوكيات في ذك اليوم ، حتى تكون مخرجاتنا كأفضل ما يمكننا لكويت تشرق بمستقبل مزدهر  .






الجمعة، 23 ديسمبر 2011

حكاية ابنة البواب ... (قصة قصيرة)



حكاية ابنة البواب 

وقفت أنتظر المصعد ، فأتت الطفلة إلى جانبي واقفة تنتظره معي ، حين وصل ، فتحت الباب فدلفت إليه قبلي ، مددت يدي أضغط على الطابق الذي أريد ، فسألتها عن مرامها ، كانت قد رفعت يدها علياً تضغط على الزر الموصل إليه وهي تخبرني ، أنه فوقي بطابقين .


تأملتها فهي كما رأيتها منذ أيام ، حافية القدمين ، متسخة الوجه واليدين ، وطبعا جمعت رجلاها أوساخ البناية والشارع الموصل للدكان ، حين رأيتها أول مرة كان في بداية سكناي في هذه الشقة ، فقد سألني البواب إن كنت أريد شيئاً من الخارج ، فطلبت منه أربع قنانٍ من الماء وعلبة من الشاي ، وأعطيته النقود .

سمعته حينها يأمر فتاة بإحضار الطلبات ، بعدها بقليل أتت هذه الصغيرة بجديلتيها التي هربت منها شعراتٌ حزينة لتحكي هوان الفاقة وذل الأيام ، وعينيها اللتين لم تستيقظا من النوم بعد ، وهي محملة بالطلبات ، تأملت الأب والطفلة ، يا لقسوته ، كيف يحمل طفلة لا تتجاوز بحال السادسة من عمرها هذه الأثقال .

وها هي أمامي ثانية ، تخطو بحلتها الخَلِقة ، صاعدة لتُنزل معها أعباء الحياة ، سألتها مستفهماً مداعباً :
-         كم عمرك يا صغيرتي ؟
-         أحد عشر سنة ! .
ذهلت وقلت :
-         ما شاء الله كبيرة ، لا يظهر عليك .

تبسمت فرحاُ ، وتبسمت لها أساً ، وتوقف بنا المصعد لأخرج ، وتكمل هي طريقها للأعلى ، حيث ستعاود النزول إلى أسفل الدرج ، ولن تصعد إلا جوازاً لتعاود الهبوط ، تألمت لضآلة جسدها الهزيل ، الذي يُتنهك في كل ساعة بأعمال المترفين الشاقة على تلك البنية الذابلة ، ومن يدري إن لم يجد من يرحمه ، هل تنتهك حرماته بعد أيام أو شهور حين تتفجر منه مفاتن الصِبا ؟

عندما خرجت من ذاك المنزل ، ترقبها قلبي فوجدها ، مددت لها ببعض القطع النقدية ، أصررت أن تذهب لتصرفها الآن ، محاولاً بذلك مداعبة آخر خصلات طفولتها .

الأحد، 4 ديسمبر 2011

دستور يا مطرقة دستور ...

دستور يا مطرقة دستور

" أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا للوطن وللأمير وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأؤدي أعمالي بالأمانة والصدق " هذا هو القسم الذي يؤديه عضو مجلس الأمة كي يتولى أعماله وفق المادة 91 من الدستور ، وبإطلالة سريعة على كلماته نعي الدور العام الذي يجب أن يقوم به النائب بما ينطوي عليه من مبادئ وأخلاقيات تحفظ النظام العام للدولة وحقوق المواطنين ، ولكن كم نائب حنث بهذا القسم ، وهل علينا كمواطنين محاسبة النواب على عدم التزامهم بقسمهم ؟

تحت ذريعة تلك المفاهيم الحقوقية الدستورية ولدت الأزمات المتعاقبة على الكويت في الفترة الأخيرة ، كما ولدت الكثير من المواقف التي امتزج بها الخبيث بالطيب ، وضاعت خارطة الحقوق بين الشعارات والمواقف والممارسات ، واختلط الحابل بالنابل ودخلت أكثر من عقدة في منشار يفترض أن يشق الطريق لغد أفضل ، كما ضاعت المبادئ أو على الأقل لم نعد نميز من يتحرك وفق المبادئ الإنسانية الحقوقية العامة ومن يمتطيها لخدمة مصالحه أو فرض أيديولوجيته بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة .

فالحراك الذي حاول البعض إظهاره على إنه شبابي وهو نيابي برتبة وحزبي بأخرى ، فقد امتطى "الرموز" تحت عنوانه "الحراك الشبابي" كل الوسائل المتوفرة لتحقيق أغراضهم كما عقدت تحت نفس العنوان بعض الصفقات السياسية ، وهناك من كان يصفي حساباته مع سمو رئيس الوزراء السابق من على نفسه الصهوة ، وكل الأطراف تعتقد إنها بالنهاية سوف تفوز بفرض سيطرتها على السلطة في الكويت ، وهذا ما سيولد خلافا جديدا وكبيرا بين خصوم الأمس أصحاب اليوم ليعودوا أعداء حربيين في المستقبل .

وما ممارسات بعض النواب المتناقضة بين تحقير الدستور والقانون والوصاية على الحريات وقمعها في مواقف ، واحترمهما والذود عنهما في أخرى ، إلا صورة تبين مدى بعد هؤلاء عن البر بقسمهم ، والكلام نفسه يجري على المعارضين الجدد ، فهم بين الشعارات الرنانة والممارسات المختلة ، فالأصوات تعلوا وتنخفض وفق المصالح لا المبادئ ، وما "مطرقة" الرئيس إلا صورة تبين مدى الاستخفاف بالدستور والقانون ، فهناك أصوات علت مفتخرة بقدراتها الجسدية على فرض ما لم يستطيعوا فرضه عبر صناديق الاقتراع واستباحة مجلس الأمة بالقوة والكثرة كنوع من انواع الديكتاتورية والاستبداد بالقرار ولكن من مجموعة من الشعب لا من الحاكم ،وبين تسخيف لقوانين وفرض مفاهيم كاقتحام المقرات المقفلة وان لزم الاعتداء على رجال الأمن ، وسرقة الأموال عامة والخاصة بهدف الاستخفاف وغيرها يراد لها أن تكون مفاهيم وممارسات سياسية ، وبين التصفيات والمصالح والحركات القبلية والطائفية، تطور الحراك الوطني عند آخرين بنفس القوة لأهداف ومطالب حقوقية نزيهة ، ولكن بفقدانهم الغطاء النزيه فانطووا تحت الممارسات اللا أخلاقية الممجوجة للمعارضة الجديدة بشكل مباشر أو غير مباشر ، ليكونوا من غير قصد معاول هدم بيد الوصوليين .

فالفساد لن تقضي عليه معارضة أفسد من الحكومة بلا مبادئ ولا أهداف واضحة تمتطي القبلية والطائفية وتدس سمومها بعسل الوطنية لتمزق البلد وتفوز بما تريد وان "لجت" الشارع بالشعارات الوطنية الرنانة ، فنحن بحاجة ماسة وشديد لاصطفاف معارضي وطني جديد ونزيه ، يضع ميثاقا لمبادئ وأهداف إنسانية واضحة لا يحيد عنها يمكنها جمع كل وطني وإن أبعدت كل وصولي وكل متطرف ، حتى نعبر بالكويت من عنق الزجاجة التي طال أمد انحشارها فيها .

خربشة :
نبارك للنائبين أبورمية والبراك تكليف سمو الشيخ جابر المبارك رئيسا للوزراء !!

الاثنين، 28 نوفمبر 2011

البحرين ثورة الكرامة العربية


البحرين ثورة الكرامة العربية

إن الإغفال العالمي والتلاعب الدولي الاستثنائي والمقزز لحقوق شعب البحرين ليس وليد الانشغال بغيرها ، فأهميتها الجيوسياسية يفترض أن تضعها في بؤرة أنظار العالم وأخباره ، ولكن نفس هذه الأهمية الإستراتيجية هي التي تجعل العالم المتهالك يتغافلها .

فالبحرين تحت النظام القائم تمثل جزء مهم من المصلحة الغربية عموما ومن المصلحة الصهيوأمريكية خصوصا ، وتزداد أهميتها بمراتٍ مضاعفة إن خرجت عن إرادة العم سام .

فإن قلنا إن للخليج أهمية إستراتيجية لوجستية للمصلحة الأمريكية في ضفته الغربية بعد امتناع الضفة الشرقية عليه من حيث النفط وإمداداته وتحرك قواتها وإمداداتها في المنطقة ، ودعم وإمداد حلفائها أيضا كما حدث في حرب تموز ، فالبحرين في قلب الضفة الغربية من الخليج ، وموقعها إذا ما اختلفت مع المصالح الصهيوأمريكية يقطع الطريق من جهتين ، فمن جهة الإمداد الأوفر من النفط من عمق الخليج إلى مدخله ، ومن جهة أخرى إمداد السلاح والعتاد من رأس الخليج إلى عمقه وإلى ما هو أعمق من العمق دولة العدو .

وكما لا يخفى فإن السيطرة الأمريكية على المنطقة لا تنبع من حب الشعوب ولكن من المصالح المتبادلة مع الحكام ، فلذلك بقاء الحاكم في مكانه يمثل مصلحة صهيوأمريكية مباشرة لضمان السيطرة الأمريكية واستمرار إمدادات النفط وأمن واستقرار دولة العدو .

فخروج البحرين من إدارة الحاكم التابع للحكام الحر تعني إنه متى ما وقعت واقعة أو حرب بين الكيان الغاصب والعالم العربي أو الإسلامي فهذه الدولة ستكون ضد "الكيان الصهيوني" ، ويمكنها بموقعها بدل أن تكون مركزا لوجستيا صهيوأمريكيا أن تكون مركزا لوجستيا للعالم الإسلامي ، كما يمكنها منع الإمدادات من الجهتين .

كما إن وصول حاكم حر لا يرتبط بالإدارة الأمريكية يمكن أن يكشف الكثير من أسرارها في هذه المنطقة ،كما يمكن أن يكشف كل ما يضر مصالحها وتحركاتها ضمن مجلس التعاون الخليجي ، كما إن هذا الشعب إذا ما انتصر ستتبعه شعوب المنطقة إما لنفس الحراك المضر بمصالح الغرب ، أو على الأقل لفرض إرادة الشعوب في الأزمات وبالأخص في ما يتعلق بدولة العدو ، ما يعني عدم التطبيع مع الكيان الصهيوني في أي حال من الأحوال ، بل الوقوف ضده وضد وصول الإمدادات له في حال قيام حرب من كل دول الخليج .

لذلك فثورة البحرين ليست ثورة شعبها فقط فهي ثورة الأمة العربية والإسلامية بل والإنسانية كلها ضد الطغيان ، وعدوها ليس حاكمها فقط بل إن العداء يتمدد ليدخل في طرفه كل من له مصلحة لا يريد فواتها من بعض حكام المنطقة أو من الدول الكبرى أو حتى من المنظمات العالمية التي ترتبط بدولة العدو ، وبما أن شعب البحرين يمثل كرامتنا فكلنا شعب البحرين وعدوه الذي يريد سلب حقوقه عدونا وعدو الأمة بأسرها لا عدو الشعب فقط ، فعلينا كلٌ في موقعه أن يبذل قصارى جهده في إنجاح هذه الثورة علنا نسترد شيء من كرامة هدرت تحت المدافع والمصالح منذ عقود .

السبت، 26 نوفمبر 2011

ترك البديهة ... "احراق العقيدة"

"احراق العقيدة واثبات الحقيقة" 


اسم لمجموعة من البحوث أو قل كتاب ، يتعلق بالتفكير بالمسائل العقائدية وبعض الأخطاء الشائعة فيها ، كنت قد كتبته قبل اربع سنوات أو أكثر ، ولكني انشغلت عن تصحيحه ونشره .. 


وخطر في البال أن نشره على بحوث "مواضيع" متفرقة .. وأسأل الله التوفيق والسداد ..


الموضوع / الأول
إحراق عقيدة ترك البديهة
هناك من يعتقد إن للإنسان مخالفة الضروريات البديهيات ليثبت عقيدته الدينية ، كالذين يرون إن الواحد في حال كونه واحد هو عين الثلاثة في حال كونها ثلاثة في نفس الوقت من نفس الجهة ، أو إن الله عز و جل في جهة و ليس في واحدة من الجهة الست الفوق و التحت و الأمام و الخلف و اليمين و اليسار ، أو إنه بذاته بجهة فوق و جهة تحت و الفوق غير التحت و لكنه ليس متغير !!

و لبيان فساد هذه العقيدة نقول :
إن فسادها من البديهيات ، و لكن لا يمكن أن نستدل على فسادها بالبداهة لأن المخالف لا يعتقد بحجية البديهي ، فلا بد أن نعرف البديهي ونقوم حجيته بالطريق العقلية .

 فنعرف بالبديهي أولا : بأنه هو العلم الذي يحصل بالمفاجئة و الارتجال دون الحاجة إلى تفكير .

و مثال ذلك : أن يأتيك شخصان ببرتقالتين و يقولان لك اقسم الكمية علينا ، فإنك من غير تفكير سوف تعطي كل واحد من الشخصين برتقالة ، و هو كاعتقادك الجازم إن الواحد نصف الاثنين و أن الكل أعظم من الجزء مثل كل البحر أعظم من كوب منه .
و من البديهي العلوم الحسية التي لا تحتاج إلى عمليات عقليه كمعرفتك بأن الشمس طالعه حين تراها ، و إن القمر موجود حين تراه ، و إن الورق الذي أمامك أبيض و الحبر أسود ، و إنك تسمع الصوت أولا و صداه بعده ، و إن الماء المغلي الذي تضع يدك بجانبه حار و إن الثلج بارد ، و مثل هذه الأمور أكثر من أن تحصى .
تنبيه : أحيانا يجيب الشخص عن سؤال بسرعة و لكنه ليس من أصل بديهي بل هو من أفكار سابقة أصبحت كالبديهيات .
ثم نبين : إن العلوم التي يمتلكها الإنسان تأتي من التفكير و التفكير هو حركة العقل بين المعلومات للوصول إلى المجهول الذي نبحث عنه .

و السؤال :  كيف أتت المعلومات الأساسية التي استخدمها العقل للتفكير ؟

و جواب العقل على هذا السؤال : هي المعلومات التي كانت عند الإنسان و لم يحتج في إيجادها إلى تفكير ، و إلا لما استطاع العقل أن يفكر الآن و هو يقرأ الكلمات ، حيث  لن تكون عنده معلومات إلا بالتفكير و التفكير يحتاج إلى معلومات و المعلومات الأساسية غير موجودة ، إذن العقل يجبرنا على الاعتقاد بوجود معلومات أساسية ( بديهية ) لا يمكن أن نفكر من دونها و هي لا تحتاج إلى تفكير .

و هذه المعلومات تنقسم إلى أقسام :

أولا : الأوليات و هي الأمور التي يكون الحكم فيها ملازم لذاتها فلا يحتاج الحكم بها إلى أمر أخر غيرها خارج عنها حتى التفكير ، بل مجرد تصورها بطرفيها يجعلنا نصدق بها كالكل أعظم من الجزء .

ثانيا : الحسية و هي المعلومات التي نكتسبها بالحس دون تدخل العقل  ، و هي المدركات و المعلومات التي تكتسب عن طريق الحواس الخمس : البصر ، السمع ، الشم ، الذوق ، اللمس .

ثالثا : التجريبيات : و هي التجارب التي يقوم بها الإنسان و يكررها فيحصل عنده علم بتكرر النتيجة كلما كرر التجربة ، فيكتشف بالتجربة إن السبب في النتيجة اتحاد العلة التي لا يتخلف عنها أثرها ، مثال : إذا شاهد الإنسان نارا فوضع يده بقربها و شعر بالحرارة و كرر التجربة أكثر من مره فإنه سوف يكتشف إن العلة لوجود الحرارة هي النار و هذا الاكتشاف لم يكن بسبب التفكير بل بسبب التجربة و العلوم الحسية .

رابعاً: المتواترات : و هي الأخبار التي تطمئن لها النفس و يزول الشك بها و يحصل عند الإنسان الجزم و القطع بصحتها ، و ذلك يحصل بإخبار جامعة يمتنع اتفاقهم على الكذب و يمتنع خطأهم جميعا في فهم الحادثة ، مثال : إذا كان الشخص نائم و حين استيقظ قال له شخص : إنه قد حدث زلزال قوي ، فلعل السامع لا يصدق و لكنه إذا سار في الشارع و قال له البقال إن الزلزال وقع ، و قال له ثالث رآه بالشارع إن الزلزال وقع و رابع نفس الكلام و المخبرين لا يعرفون بعضهم فإنه سوف يتقن بحدوث الزلزال .

خامساً : الفطرايات : و هي القضايا التي يكون دليلها معها فكلما حضرت حضر الدليل و هذا الدليل من الأدلة التي لا تغيب عن الذهن كي يحتاج إلى التفكير فيها ، مثل : إن الثلاثة ربع الاثناعشر ، فهذا الحكم يحتاج إلى دليل و هو إن إي عدد قسم على أربعة فالناتج يكون ربعه و العدد 12 إذا قسم على العدد 4 يكون الناتج هو العدد 3 فيكون العدد 3 ربع العدد 12 .
و لعل الأغلب في هذا المثال لا يلاحظ هذا الدليل و لكن إذا غيرنا الأعداد فإن الذهن سوف يلاحظ الدليل فمثلا : إذا قلنا العدد 45 هو ربع العدد 180 فإن الذهن سوف يلتفت إلى الدليل لأنه لم يأنس بهذه الأرقام ، و دليلها واحد في جميع الحالات و هو إن أي عدد يقسم على العدد 4 يكون ناتجه ربع العدد الأول .

و أضيف إلى هذه الأقسام قسم آخر و هو الحدسيات و لكن لا نذكره كي لا تختلط المطالب على القارئ الكريم و هذه الأقسام المذكورة هي ما يعبر عنه بالبديهيات فهي لا تحتاج على تفكير بل هي أساسية لكل معلومات الإنسان .

فإذا اتضح هذا نقول : إذا رد الإنسان أي واحد من البديهيات فيجب عليه أن يرد جميع البديهيات إذ إن منشأها واحد ، و إذا أردت التفصيل فقل إذا رد الإنسان أي بديهي من أي قسم فيجب عليه أن يرد القسم بكامله .
و البديهيات لا يستغني عنها الإنسان فلا يستطيع ردها إذ حتى التفكير بها يعتمد عليها .
إذن ما خالف البديهي يجب أن نرده و لا يرد البديهي إذ إن رد البديهي يستلزم رد كل العلوم و المعارف البشرية بلا استثناء ، و متى ما كانت العقيدة مخالفة لهذا البديهي فيجب إما طرحها و إما طرح البديهي و كما ثبت فإن طرح البديهي ممتنع فيجب طرح تلك العقيدة التي تخالفه ، و متى طرحنا البديهي يجب طرح العقيدة كاملة لأنها نتاج أفكار و الأفكار تعتمد على البديهيات و البديهيات مطروحة بطرح تلك البديهية .







الاثنين، 21 نوفمبر 2011

مع مرتبة الشرف .... (قصة قصيرة)


مع مرتبة الشرف ...

إنها فاتنة جداً ..
وضعت رجلها على طريق الشهرة ممثلة و كاتبه و راقصة ..

قالت عن عرضها المسرحي : إن الناس لا يقدرون الواهب لجهلهم .

وقالت عن مسلسلها : لم يشاهده الناس لأنهم يحبون ابتذال تلك المجنونة الماجنة الخرفة .

وعن كتابها الذي لم يباع : إننا من أمة لا تقرأ ، ومن يقرئون لا يشترون إلا لمن يوجههم إليه النقاد الذين يقبضون .

قالتها بحزم إنها ظلمت و حوربت من بنات جيلها لتميزها منقطع النظير فهي الجمال والدلال والأخلاق والعلم والثقافة والأدب والمرونة والليونة .

نظرت في عينيه مبتسمة : إن المميزين مثلك هم من يقدرونني حقاً ، فأعاد تقديريه لمواهبها على ذات الفراش الذي طالما حصلت في أحضانه على تقديرها مع مرتبة الشرف !

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

جرذان .. (قصة قصيرة)


جرذان ..

كان لنا بيت كبير في مزرعة ملأها الله لنا بالخيرات ، نربي حذائه الدواب ، وعندما دخلت الجرذان على الخيرات أحضرنا كلباً ، أخرج جدي الكلب لأنه يفزع الداجنات ، مرت أيامنا بسلام ، مات الجد ، ثم لحقنه الدجاجات .

 أتينا بالخبير فقال البلاء بالجرذان ، فضعنا السم ، فمات أحد الجرذان وقبل موته بصق السم في ماء البهائم فماتت ، حاولنا وحاولنا ولكن لم نجد حلاً إلا منع الطعام من البيت حتى لا يجدوا قوتهم ويرحلوا من حيث أتوا ، ولكنهم أكلوا أخضر النباتات وجذور الأشجار ، حفرنا نتتبعهم نقتلهم جرذاً تلو جرذ ، ولكنهم كانوا قد وصلوا أساس البيت .

فصبرنا على ما ابتلانا ربنا وقومنا جدران البيت الكبير ، وجمعنا كل رجال القرية وقاتلنا الجرذان حتى ظفرنا ، جلسنا نحتسي الشاي ، فخرج جرذٌ صغيرٌ منهم لم يمت ، ونثر النار من الموقد ليحرق البيت ومن فيه فمات بعض الرجال .

 أتى الطبيب يعاين قتلانا وسمع قصتنا مع الجرذان ، فنبش قبر جدي ، فحص بقاياه ، حمد الله إنه كان واهن الجسد مات سريعاً ، استغربنا فرحه بموت جدي الذي لا يعرفه ، ولكنه أخبرنا عن عضة في يده مسمومة بوباء لم يتحمله ساعات ، تساءلنا كيف عض ؟
فأخبرنا أبن عمي الصغير إنه رأى جدي يطعم الجرذان ويقول : إنها لنا جيران وضيوف إن أكرمناها ساعدتنا وإن لم تساعدنا فلن تضرنا .
 فقال حكيم القرية : لا تأوي لئيماً فأن أول يدٍ يعضها يد من أكرمه . 

أنثى الجسد .. (قصة قصيرة)




أنثى الجسد
في عالم التقنية الحديثة تقترب المسفات ، فيغدو البعيد بعد تحطيم حوائط العزل في المنطقة الحميمة ، تلامس شفاهه أذنك كلما همس ، وتداعبك أنامله مع كل حرف ، يعيش الإنسان في عالمٍ افتراضي خيالٌ يتجاوز الحدود فيتحول إلى حقيقة ليست كالحقيقة .
تتحرك الأحداث في العالم الافتراضي كما هي في العالم الحقيقي فيها الحلو وفيها المر ، فيها اللص والخائن والغادر وهناك تجد الصديق الصادق الأمين ، تجد العاشق الهائم حيث تجد المتطفل المزعج .
مَلّ ((سعيد)) ما قرأ منها ، فهو يكرر القراءة كل يوم وكل ساعة بل كل لحظة حتى ، وان لم يقرأ فذاكرته سوف تعيد ما مر عليها ، حالة التكرر ليست بإرادته ولا بإجبار أشواقه وهواه ، ولكن هذا صنع يدها لا لبداعة القلم ولا لسمو الفكرة ، ولكنه بسبب إلحاحها غير المبرر الذي اجتاح عالمه دون قصدٍ منه ، كانت إنسانة غريبة عرفها لتصبح قريبة ، قرب الصديق إلى صديقه لا العشيقة إلى العشيق .
فهي أمامه أنثى كغيرها من الإناث في هذا العمر تفوح منها ريح الأنوثة وتسطع من عينيها أشعة الرغبة المصطلية بنيران أنفاسها تحرق القلوب المنتظرة ، وكأي فتاة تشتكي من جور الرجال فكلهم يرونها أنثى ، فلا يوجد رجل يراها إنسان ، أخبرته هذا ، واستمع لها بإنصات ، لم يخطر بباله أنها كانت تراه كغيره من الرجال ، يراها صندوق أنوثة يجب أن يلتهمه ، وهي تعد نفسها لتكون تلك الكعكة التي يستلذ بها .
أما هو فقد قابلها بقلب رجل صادق ، رآها إنسانة تستحق أن يعاملها كانسان ، فاقترب الإنسان ليصبح صديق قريب يتبادل معه الأحاديث ، عن جور الزمان وهمومٌ ينفثها كالبركان ليهدأ و يستمع لزلزالٍ يخرج من تشققات صدرها المليء ، فهكذا هو الإنسان ، تكلم و تكلمت ، استمع و استمعت ، فكر و فكرت ، أشار و أشرت ، ضحك كما ضحكت وبكى كما بكت ، ذرفت لحاله دمعها ولحلها ذرف ، فهكذا هو الصديق .
أنقلب حال سعيد مع انقلاب حال الدنيا التي دارت به على رأسها ، وتبدلت الأحوال على غير ذاك الحال حتى اختلفت أوقات فراغه مع فراغها ، وزادت همومه وشجونه التي شغلته عن غير ما يصيبه ، و وجد في جموع الشباب سلوى ، فارتاح البال و ركن الفؤاد عنها إلى غيرها ، ولسان حاله لا يفرق بينهم وبيينها فكلهم له أصحاب .
مرت أيامٌ لم يتبادل معها حديثاً إلا السؤال العابر متى ما سنحت الفرص عن الأحوال ، فلامته لانشغاله عنها ناقضاً بذلك عرى الصداقة ، فأخبرها عن سوء حاله ، وانشغال فراغه بجلسة الأصحاب في المقاهي ، فسألته عن نفسها ومكانتها عنده ، فأخبرها أنها الصديقة وهو الصديق ، و إنهما لوقت الضيق فان ضاقت من الحياة ذرعا فهو ملجئها كما هي الملجئ له ، فارتحلت بعدها عنه أياماً لم يسمع صوتها وأسابيع .
رن هاتفه ليُنفِذ إليه صوتها وهي تتفقده ، فتفقد بالبين أحوالها ، أخبرته عما مر عليها ، وكما أتى في خاطره أشار عليها مشورة الإخوان ، ولكنها تداركته بسؤال ما خطر له على بال ، تنقب في مداه عن غيرها أنثى ، استغرب سؤالها ، فما همها تلك الصديقة الإنسان ؟
سألها : لما يا هذه هذا السؤال ؟ ، فتفتق صدرها ليكشف له غيرة الأنثى على محبوبها الرجل ، فخاطبها بالمذكر : إنكَ يا صديقي صديقٌ مقرب ، ولا تعلم مني أني أتيت قبلاً على ذكر النسوان فلا تسل .
ولكن نار غيرتها أكدت ما يخفي قلبها ، فاشتعلت أنفاسها تتهمه بالحب ، فقال لها : وما بالكِ وما ضركِ يا صديقتي يا أختي إن أحببت عشراً ؛ فأفصح لها عن حريته من قيودها ، واحتفاظه بشأنه الخاص عن الإفصاح ، ولكنها قابلت تكتمه بالإفصاح عما في قلبها المتيم ، فخاطبها خطاب الأخ لأخته فناداها : يا أختي أنا صديقٌ لا أكثر ؛ فأبدت من وده الامتعاض فهي ليست أخته ولا تريد أن تكون أختاً ، تخبره أن قلبها بالحبِّ أفعم ، أنه كان لها المُحَطِم ، تريده بجانبها لها مجنون مُتيَّم ، استفهمها عما كان منه وما بدر ، وما اقترفت يداه وما قد حطم ؟ ، فأخبرته بخبر الحب الذي نال منها فأشعل شوقها وعشقها وهيامها ، بخير خفقان قلبها وسهادها وهي تستنشق ذكرى أحاديثه .
فتسائل معها :
سيدتي أبدر مني ما أوحى لك بالحب ؟
لا ولكني أحب .
سيدتي أخبرتك بأني أردتك أنثى ؟
لا ولكني أريدك ذكراً .
سيدتي أيمكن أن ترحلي عني ؟
لا لا أريد فأنا لك يا سيدي .
سيدتي أن أردتني فأنا ذئبٌ سيء الطباع ؟
فليكن فأنيابك أمامي تاج على رأس ملاك .
سيدتي هل تقبلني أن تكوني معي أنثى على الفراش ؟
تهلل صوتها الذي كان بالجراحاتِ أتخم و أجابت بأنه غاية ما تريد من أيامها و غاية مبتغاها أن على ذاك الفراش ترحل .
سيدتي أن لم ترحلي فأني سوف آخذ منك ألذ ما فكِ و عنك من يومين أرحل ؟
قلت : لو كانت لحظة معك ، وبعدها ترحل ، سأكون ممتنةً لها ، فهي اللحظة التي أقدم لحبيبي بها أغلى ما أملك .
سيدتي ألست كنت في الأمس البعيد تريدين من يعاملك كإنسان لا كأنثى ؟
أجل هذا ما أردت .
سيدتي لما رجعت أنثى ؟
لأني وجدت من يعاملني كإنسان .
سيدتي إن ما تريدين سيجعلني أعاملك كأنثى كجسد ألتهمه وأرمي عظامه ؟!.
غضبت منه لبروده : ما بك هذا ما أريد ، يكفيني أني وجدتك إنسان لأكون له أنثى .
سيدتي لا أريدك أنثى ..
لا تقل سيدتي فأنت سيدي و إن لم تردني فأنا أريدك لا تحرمني منك ولو للحظات أهبك فيها ما أملك ، و بعدها أرحل و ترك لي ذكرى تلك اللحظات ، أستلذ بآلامها ما بقي لي من عمر .
 لم تنثني بسوء عبارته ، بل رأتها بصيص أملٍ تحاول الولوج منه إلى كيانه .
 ومازلت تأرق وقته باتصالاتها برسائلها بهمستها وكلماته ، لم تنقطع لا في ليل ولا نهار ، تذكره بأنها جسد طريٌ نضرٌ غضٌ يتشوق ملتهبٍ للمساتٍ تطفئ تأججه الوهاج .
فهكذا حين  انفجر لأنثى بعد اختباءٍ في لباس الإنسانية ، فتبقى الأنثى أنثى و الذكر ذكر و من يقاوم طبيعته إنسان ليس من جنس البشر .


2010 

الأحد، 6 نوفمبر 2011

البحرين عتبة الحرب الطائفية


البحرين عتبة الحرب الطائفية

الأرضية ممهدة والنفوس مشحونة بشكل كبير لقيام حرب طائفية في منطقة الخليج العربي وبعض المناطق المحيطة ، ولا ينقصها إلا اشتعال الشرارة المنتظرة ليحترق الأخضر واليابس ، وما أحداث البحرين إلا المثال الأخف وطئة الذي اشتعل قبل انتشار الزيت على أراضيها ، ليُظهر مدى عمق الشق والأزمة التي تعيشها الأمة ، فالبحرين آخر الدول التي كنا نحتمل انجرار ولو قسم من شعبها لحرب طائفية بسبب سلمية ودماثة خلق وحسن تعايش أهلها.
فأحداث البحرين ترينا دلالات رمزية متعددة تعكس واقع المنطقة ، فهم شعب طالب بحقوقه التي يفترض أن يحصل عليها أي إنسان على وجه المعمورة ، وكما هي العادة الجارية من جميع الدكتاتوريات القمعية ترفض الحكومة المطالب وتسمي مواطنها المطالبين بحقوقهم مخربين وخارجين عن القانون وتحاول ترهيب الشعب ، فإن ارتعب أو تقوم بمعونة أنصارها بمحاولة تشويه المطالب بدعاوي مختلفة وأسهلها العبارة المرسلة التي يكررها القادة : إنهم مدسوسون وعملاء للخارج ، هناك أصابع خفية وأيادٍ خارجية خلف المطالب ، نحن نصلح ونريد الإصلاح والحوار ، وهذا حدث في كل دول الربيع العربي دون استثناء ومنها البحرين ، ولكن زاد في الشأن البحريني أمرين غير طبيعيين :
الأول : الظلم والتعتيم الإعلامي الشديد ، وذلك بسبب المال السياسي والهيمنة الخليجية على قسم كبير من الإعلام وبالأخص قناتي " الجزيرة والعربية " اللتان تعتبران أقوى القنوات الإخبارية في الوطن العربي ، وان كانت الجزيرة الإنجليزية حاولت تدارك الوضع ونشرت عدة تقارير ومن أبرزها تقريرها " البحرين  صراخٌ في الظلام - Bahrain  Shouting in the dark " ، وفي أحيانٍ نادرة نسبياً قامت الجزيرة العربية ببث بعض الأخبار عن البحرين ، بل إن البحرين الدولة الوحيدة التي طردت صحفيين وحقوقيين ومنعت غيرهم من الدخول دون استنكار يذكر من القنوات العربية .
والثاني : هجمة التخوين الوهابية والخليجية للمحتجين ، وذلك لأن أغلب شعب البحرين من "الطائفة الشيعية" ، ولا شك أن أغلب الوهابية ومن سار على خطاهم يعلم كذب هذه الادعاءات ، ولكنه الخوف من وهم سيطرة الشيعة ، واستمرار لمسلسل محاولات عزل الشيعة عن بقية المجتمع الخليجي حتى على سواحل الخليج ذات الغالبية الشيعية الضاربة في القدم .

الثورة البحرينية وطنية بريئة من الطائفية والتدخل الإيراني :
ولا بأس بالرد على مسألة التخوين والعمالة حتى لا تعود تشغل ذهن القارئ الكريم ، فالادعاءات مازالت مستمرة بأن ما جرى في البحرين بتحريك وتدخل إيراني ،وتصاحب هذه الإدعاءات ترهيب من تدخل إيراني عسكري ، وهذا يجانب الصواب ، وسنحاول استعراض بعض النقاط على سبيل المثال لا الحصر ، تشهد بأن ادعاءات التدخل أو إتباع الشعب البحريني لإيعازات خارجية أمر عاري عن الصحة :
1-    الوفد الشعبي الذي بعثه سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد لتهدئة الأوضاع في البحرين ، كان على رأسه أمين عام التحالف الإسلامي الوطني "الشيخ حسين المعتوق" وكيل السيد علي الخامنئي في الكويت ، وهذا ما يؤكد إن الموقف المتدين الأقرب فكريا لإيران متوافقا تماما مع القيادات الخليجية بل محل ثقة عالية جدا عندها .

2-    وكذلك حركة الوفاق التي تعد أيضا قريبة فكريا لإيران لم تكن من صناع ثورة البحرين بل انضمت إليها متأخرة بعد الهجوم الثاني على الدوار ، كما أنها تقبلت الوفد الكويتي ، وشاركت بشكل سري في فترة الغليان في الحوارات التي أرست قواعد مبادرة ولي عهد البحرين التي طرحها في 13/3/2011م والتي أجهضها دخول القوات السعودية للبحرين.


3-     قيادات حركة حق التي نسب التطرف لها وادعى بعضهم إنها تنفذ أجنده إيرانية وهي التي قادت الثورة البحرينية ، قد كانت إما قابعة في السجون ولم يفرج عنها إلا بعد قيام الثورة ، أو تقيم بالخارج ولم ترجع إلا بعد قيام الثورة وصدور العفو عنها ، ومما لا ينبغي تجاهله إن نائب أمين عام السابق لحركة حق "الشيخ عيسى الجودر سني سلفي" وقد وفاته المنية في تاريخ 24/9/2011 م وما انشق عنها إلا بعد اشتداد الأوضاع بعد الإفراج عنهم ، وكان له كل العذر في ذلك.

4-     ثم إن ملك البحرين قال في تاريخ 10/5/2011 ما نصه ((خاصة وان السيطرة الإعلامية اليوم موجهة ضد العالم العربي والإسلامي خاصة وهي تريد ان تفرق بين العرب وإيران وهي التي تريد ان تفرق بين المسلم وأخيه المسلم ونحن اهل البحرين اذا رأينا خلافا حاولنا تجنبه وذهبنا إلى الإخوة والمصافحة ، وانه على الرغم مما نسمعه في الاعلام بان هناك خلاف بين إيران والدول العربية نحاول قدر المستطاع ان نمد اليد الى اشقاءنا في ايران لبحث وحل المشكلة وهذه لمصلحة إيران ومصلحة العرب )) http://www.bna.bh/portal/news/455978

فكل ما لديه نسبه للإعلام الموجه الذي يريد التفرقة بين العرب وإيران ويدعي وجود الخلاف بين الجانبين ، وإنه يرجع وجود هذه الخلافات بين العرب وإيران لما يسمعه من الإعلام ، وهو على رأس دولة لها جهاز مخابراتها متعدد الأعراق وتعاونها الأمني مع دول المنطقة والولايات المتحدة ، ولم يُثبت تورط إيران في شيء مما أشيع ، بل على العكس برأ ساحتها وأعلن وقوفه ضد من يدعي وجود هذا الخلاف ويريد إيقاع الفرقة بين إيران والعرب .

5-    كما طالعتنا الأخبار في تاريخ  27/9/2011 عن لقاء جرى بين وزيري خارجية إيران والبحرين بناء على طلب بحريني ، تتمنى فيه البحرين تبادل السفراء بعد أن سحبت البحرين سفيرها على خلفية انتقادات إيرانية معلنة لها ، ما حدا بإيران إلى سحب سفيرها ، وقد طلب وزير خارجية البحرين من الجانب الإيراني التدخل لمساعدة النظام الحكام في البحرين على حل مشاكله ، ولكن وزير الخارجية كرر كلام إيران القديم بالحوار وإصلاح النظام لتدارك المشكلة .

فهل يعقل أن يطلب وزير خارجية البحرين المساعدة الإيرانية ويفتح لها الطريق للتدخل في شأنه الداخلي وهي تريد النيل منه أو كان لها أي تدخل في تسير الاحتجاجات في الداخل البحريني ؟
بل إن ما يثبته هذا الكلام إن الحكومة البحرينية هي التي تترجى التدخل الإيراني الرسمي ولكن لصالحها لا لصالح الشعب ، ظناَ منها إن إيران ستقدر على التأثير على الشعب البحريني  وإخضاعه للنظام القائم كما تريده السلطة في البحرين .

6-    وفي لقاء لوزير الخارجية البحريني على خلفية اللقاء السابق مع صحيفة الشرق الأوسط عدد (11993)بتاريخ 29/9/2011، رد على السؤال :
(( كانت هناك مخاوف من استغلال إيران للأوضاع داخل البحرين والاحتجاجات الشعبية والمطالب الشعبية..)) ؟
قائلا : ((كل الأمم خلال فترة التحول يكون الوضع فيها حساسا ومعرضا للتدخل ومفتوحا، ولهذا كنا دائما حذرين كي لا يتدخل أي طرف في شؤوننا. كنا دائما نقول تأتينا تدخلات من إيران ولكن ليس بالضرورة أننا اتهمنا فيها أطرافا رسمية إيرانية، لذلك كان يهمنا جدا أن يكون الموقف الإيراني الرسمي واضحا ولا يتدخل في الشؤون الداخلية. ولكن طبعا هناك دائما أعضاء من البرلمان يتدخلون بشكل واضح وهناك صحف وكتاب أساءوا إلى البحرين، هناك أيضا خطب سمعنا فيها ما لا يرضينا وأساءوا إلى كل أهل البحرين. الآن نرى أنه يجب معالجة هذا الموضوع حقا، وأكد لي الوزير صالحي أن لديهم نفس الجدية، وهذا الأمر يوجد جوا من الثقة والاطمئنان بالنسبة لي وبالنسبة له موضوع أكبر، فالمنطقة كلها تغلي وممكن أن يؤثر أي حدث علينا أو عليهم. نستطيع أن نعتبر هذا اللقاء خطوة باتجاه بناء ثقة أحسن وعلاقة أفضل، فقد حدثت خطوة. ))
ونلاحظ في رد الوزير إنه لم يثبت أي تدخل رسمي أو صدور ما يسيء من القيادة السياسية في إيران ، بل ما يفهم من كلامه إن كل ما قيل عن تدخلات إيرانية لم يعنى به تدخلا رسميا ولكن تدخلا خاصا من برلمانيين إيرانيين وغيرهم .
وعلى سؤال آخر : (( هل لديكم مطالب محددة من الإيرانيين؟ ))
رد قائلا : ((  أنا أثرت معه موضوع الإعلام وأحب أن أنبه إلى شيء نحن لا نطلب إسكات الإعلام الحر، الإعلام الحر حر، لكننا نتكلم عن الإعلام الرسمي، وكلنا يعلم أنه يمثل صوت الدولة ورأيها. وما رأيناه من الإعلام الرسمي في الفترة الأخيرة كان غير مقبول، فتكلمنا في هذا الموضوع و«أتعشم خيرا» في هذه المسألة. وأيضا تم إيضاح بعض الأمور، فكانت لديهم مواقف تتعلق بمملكة البحرين وأنا أوضحتها، وهو بذل جهدا مخلصا لتوضيح مواقف الجمهورية الإسلامية. وهذا الشيء نقدره جدا، لا أستطيع القول إنني متفائل جدا، ولكن أستطيع القول إنني أشعر بأن الوضع أحسن بعد اللقاء. ))

وهنا نَسَب كل ما يقال في الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي حيث إن أغلب الأخبار كانت تنسب لبرس انيوز "فارس" وهي ليست رسمية ، على إنه يمثل رأي الدولة والقيادة السياسية ، وهذا تحميل للأمور ما لا تتحمل ، فقناة البي بي سي بريطانية حكومية ولكنها ليست دائما تمثل رأي الحكومة ، فهناك نوع من الاستقلالية للإعلام في الدول الديمقراطية وإن كان ممولاً أو تابعا للدولة . فيلاحظ إن كل ما نسب للتدخل الإيراني هو كلمات في الإعلام وآراء برلمانيين وكتاب ، وهذا الحرية في الرأي حق مكفول إنسانيا ، ويقابله تدخل خليجي أشد ، فقد طلب نائب في البرلمان الكويتي السعي لإشعال ثورة في الأهواز وتدويل القضية وفصلها عن إيران ، ولم نسمع إن القيادة الإيرانية أعدت جيوشها رداً على هذا التدخل في شؤونها الداخلية .

7-    كما أوردت صحيفة الوسط البحرينية في عددها (3109) بتاريخ 12/3/2011م تقريرا عن لقاء النائب البحريني السني "عيسى الكوهجي" مع أبناء المحرق المنطقة المعروفة بأنها ذات أغلبية سنية نفى خلاله كل طعن في الثوار ، وورد في التقرير عن لسان الكوهجي ما نصه  :
((وقال في الندوة التي استعرض فيها زيارته لمجمع السلمانية الطبي ودوار اللؤلؤ إن التظاهرات التي انطلقت في 14 فبراير/ شباط 2011
«رفعت مطالب نتفق جميعاً مع معظمها، فمن منكم لا يريد إصلاحا وتطويراً؟ ومن منا لا يريد منزلاً أو وظيفة لائقة ووضعاً معيشياً أرقى؟». وتابع «حدث ما حدث في 14 فبراير، ووقع مواطنون وسالت الدماء، فإذا بالمطالب تتصاعد ويرتفع سقفها، ولولا حكمة سمو ولي العهد وتدخله مباشرة عبر التلفزيون الرسمي لازدادت الأوضاع سوءا. وطلب سموه الهدوء والجلوس على طاولة الحوار، وبين مؤيد ومتريث بدأت الإشاعات والأقاويل تدب في المجتمع، وبدأ محبو العتمة يدسون سمومهم الطائفية بيننا، ولم يكن من متضرر في ذلك كله سوى المواطن، إذ بدأت الحقيقة تضيع أمامه، ولا يعرف ما يجري فعلاً(...) ولاحظنا تضخم الأوضاع، وصور البعض في رسائلهم الهاتفية بأن ما يحدث في البحرين مجازر».
وأوضح «كوني نائباً للشعب كل الشعب، ارتأيت أن من واجبي الذهاب لموقع الحدث والاطلاع عن كثب على كل ما يجري واستيضاح الحقيقة، فبدأت بمجمع السلمانية الطبي، الذي شهد إشاعات لا حصر لها، سواء فيما يتعلق بعلاج المصابين، أو عدم استقبال مواطنين لا يوافقون على الاحتجاجات(...) ما رأيته مناف لكل الإشاعات التي كانت منتشرة، تحدثت للأطباء والممرضين والمسعفين، وروى كل منهم ما رآه وما جرى، وتوجهت لرؤية المصابين، بمن فيهم الذي فارق الحياة مؤخرا وقد كان في غيبوبة وقد آلم قلبي ما رأيت».
وبيّن «لم أقم إلا بواجبي كممثل للشعب غير أن الإشاعات بدأت تلاحقني من كل ناحية وصوب، ولا أرى أن ثمة مصلحة لأناس من تلك الإشاعات سوى أصحاب الفتن وأولئك الذين يتحفونا بالمسجات الطائفية ليل نهار، وأؤكد أن اليوم ليس للمصلحة الشخصية والكراسي والمناصب، بل اليوم يوم التكاتف وأن نضع أيدينا بيد بعضنا بعضاً، وأن نقف مع بعضنا بعضاً، هناك أناس مستفيدون من زرع هذه الفتنة». 
ورأى الكوهجي أن «الضرر الأكبر الذي زرع الفتنة بعد المسجات هي تلك الفضائية التي امتهنت الفتن، وبدأت تصور أن ثمة حرباً أهلية بين طائفتين في البحرين، حتى أصبحنا نجلس على سجاد ممتلئ بالبنزين، والطائفيون هم من يمتلك الكبريت الذي يشعلنا جميعا».
وأردف «ذهبت لدوار اللؤلؤ، وشاهدت ما يحدث من فعاليات، وتحدثت إلى الأخوة الأطباء والمسعفين، وسألتهم إن كانوا قد تركوا عملهم بالمستشفى وتواجدوا بالدوار للاحتجاج، فنفوا ذلك وأكدوا أنهم متطوعون في أوقات فراغهم، وكذلك المحامين، وقد جرى حوار مطول معهم، وأكدت لهم أنني مع معظم المطالب، لكن لا بد من الجلوس على طاولة الحوار، وهذه هي الديمقراطية ولا نريد أن تنساق البلد إلى الفتنة والمواجهات بين الناس، أما الصحافيون والإعلاميون الذين جلست معهم فطلبت منهم القيام بدورهم الوطني وتخفيف الاحتقان فإنهم أصحاب أقلام لها تأثيرها على المجتمع».
وأشار إلى أمين سر الهيئة المركزية بالمجلس العلمائي الشيخ أحمد أمر الله الذي كان موجوداً خلال اللقاء في مجلس النائب الكوهجي بالحالة، وقال: «هذا هو الشيخ، لن أقول إنه من طائفة معينة، بل هو بحريني جاء يؤكد وحدتنا اليوم في اللقاء، وقد سبقه رئيس تجمع الوحدة الوطنية الشيخ عبداللطيف المحمود، إذ قال في إحدى ندواته: من أعطاكم الحكم في من يدخل الجنة أو النار؟! قرآننا واحد، وصلاتنا إلى الله، لا نريد أن نخلق مشكلة اجتماعية. ولا ننس كلمة الشيخ علي سلمان عندما أشار إلى أن أي اعتداء على مواطن آخر هو اعتداء عليه. فهكذا هي البحرين وهكذا هم مواطنوها».
وأضاف النائب الكوهجي «اتصلت بي إحدى الأخوات وهي شيعية وأعتذر أن أقول هذا اللفظ لكن للتوضيح، قالت أنا لا أتفق مع من في الدوار، فقلت بأن هناك من الشيعة من لا يتفق معهم أو يتفق في بعض مطالبهم، وعندما ذهبت للدوار رأيت عدداً من المحتجين هم من الطائفة السنية، فهذا دليل على أن القضية ليست طائفية بتاتا(...) الجميع ينبغي أن يعمل من أجل البحرين، وما حدث في مدينة حمد، رأينا في قناة «الوصال»، كانوا قد قالوا بوصولهم إلى المحرق والبسيتين، هاتفوني الكثير من المواطنين ذلك اليوم، وبعض النساء كن يصرخن خوفا: (لقد وصلوا المحرق)، وكل تلك إشاعات، ومن هم الذين وصلوا؟ ولماذا لا أحد يعرف؟ إنما إشاعات لبث الرعب وزرع الفتنة».))

8-    كما سحبت الكويت قواتها البرية التي ذهبت لتساعد النظام البحريني ضد الشعب من الحدود البحرينية ، وذكر ذلك النائب كويتي "خالد السلطان" أثناء تجمع عقد في ساحة "التغيير" في الكويت لتأييد الحكومة البحرينية بتاريخ 19/3/2011 ، حيث سربت أخبار وقتها عن وصول قوة كويتية للمشاركة بالبحرين حين كان سمو أمير الكويت يقضي إجازة خارج الكويت ، وسربت أخبار بإعادة القوة بعد قطعه لإجازته الخاصة ، حيث نُسب سحب القوات إليه شخصياً ، وتبقى تفاصيل هذا الموضوع غير واضحة ، إلا إنه يعكس رغبة أكيدة عند القيادة العليا للكويت بعدم الخوض في هذه العمليات ، وعدم الاعتقاد بوجود أي تهديد خارجي على البحرين .

9-    الخبر الملفق حول قاربي الأسلحة من إيران بتاريخ 27/3/2011م ونقلته العربية نت : ((ذكرت صحيفة "الآن" الكويتية الإلكترونية، الأحد 27-3-2011، أن السلطات القطرية ضبطت قاربين إيرانيين محملين بالأسلحة بالقرب من المياه الإقليمية البحرينية، دون أن تشير إلى الجهة التي كانت الأسلحة موجهة إليها، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

وذكرت الصحيفة أنها علمت من مصدر - لم تحدده - أن "السلطات القطرية ألقت القبض على طرادين إيرانيين محملين بأسلحة متنوعة"، وأن "القاربين تمت مصادرتهما بالقرب من الزبارة شمال شرق قطر، وعلى مقربة من المياه الإقليمية المشتركة بين البحرين وقطر".


وبحسب الصحيفة، لم يذكر المصدر عدد من كانوا على متن القاربين أو جنسياتهم أو الجهة التي كانوا ينوون تهريب الأسلحة لها.))

 ثم صدر عن وكالة الأنباء القطرية تصريح تجاهلته أكثر الصحف والقنوات العربية وبالأخص التي لفقت الخبر الأول وهو نقلا عن فرانس24 ((ا ف ب - الدوحة (ا ف ب) - نفت قطر الاحد معلومات صحافية مفادها انها ضبطت في مياهها الاقليمية قاربين ايرانيين محملين اسلحة.

واكد مصدر مسؤول في وزارة الداخلية القطرية لوكالة الانباء القطرية الرسمية "عدم صحة ما ورد بشأن القاء القبض على طرادين ايرانيين محملين بأسلحة في المياه الاقليمية لدولة قطر".))

ومع أني قرأت الخبر من مصدره إلا إني لم أجده أثناء كتابة هذه الكلمات ، ونلاحظ إن التلفيقات كانت كثيرة ، ويتم تداولها بسرعة ونشرها دون تثبت لتغذية الشارع بما يريد ويتوائم مع مزاجه ، وأغلب الصحف والمواقع الإخبارية اكتفت بنشر الخبر دون أن تنشر التكذيب الرسمي له !! .

ثم إن كان هناك تدخل فعلي ، وخيانة حقيقية ، فلماذا لم تقطع البحرين ودول الخليج علاقاتها بإيران ؟
وفي ما مر كفاية لرد تهمة وهمية يلزم من يريد إلصاقها بشعب البحرين الطعن بحكامه .
بينما نرى بالمقابل تدخلاً سعودياً صريحاً صارخاً في البحرين ، وإعلان ولاء بعض الأطراف لهذا التدخل ، ورفع علم السعودية في مجلس النواب البحريني ، ولم نسمع اعتراضاً واحد لمن خون شعب البحرين بناءا على أوهام أمام هذا التدخل العلني والصريح !


التدخل الإيراني :
ما هي حقيقة التدخل الإيراني ؟
من تَتَبَّع الأخبار لا يجد أي أثر حقيقي لهذا التدخل المزعوم ، ولكن دعوى التدخل والتهديد تجمع الشعوب الطامحة للتغير حول حكوماتها ، حتى وإن لم يكونوا راضين عنها ، فإن خوفهم من إضعاف هذه الأنظمة أمام وهم التدخل الإيراني يجمعهم حولها حتى لا تضيع الدول ، كما احتشد الطائفيون واجتمعوا بسبب خوفهم من إيران والشيعة حول بعض الحكومات الفاشية ، أو بهدف النيل من إيران كدولة شيعية أو من شعوب المنطقة الشيعة تحت ذريعة الخوف من التدخل الإيراني .
وإلا فإيران كان لها نفس عام واحد في التعامل مع الثورات فأيدت الثورة التونسية والمصرية والبحرينية واليمنية وحتى السورية مع إن النظام في سوريا حليفها الإستراتيجي ، وأيدت الإصلاح والحوار في هذه الدولة ووقفت دائما مع خيار الشعوب ، نعم من الواضح إن إيران تؤيد الثورات وانتقال الحكم في المنطقة للديمقراطية لأنها تعتقد إن هذه الشعوب سوف تقف معها في صف واحد ضد هاجسها الأكبر "الكيان الصهيوني " الغاصب في فلسطين ، وهذا متوقع من أغلب الأوساط العربية باستثناء الوسط السلفي "الوهابي" الذي يعلن إن عدوه الأول هم الشيعة .

الطائفية ضد البحرين  
البحرين انعكاس للحالة الطائفية المجتمعية ،فقد ظهرت خلال أزمتها عدة مؤشرات وأمثلة تعكس مدى عمق العداء والاحتقان الطائفي في المنطقة ، والذي مورس بأبشع صورة المتطرفة ضد الشعب الثائر لا منه ، وفي النقاط التالية نسرد بعضاً ما يؤكد هذه الممارسات :
1-    العسكري الذي ظهر في مقابلة مباشرة على قناة سكوب الكويتية حيث أجرت القناة مقابلات مع العكسر الذين قاموا بفض الاعتصام عسكريا في دوار اللؤلؤة (دوار مجلس التعاون) أو كما يسميه الثوار "ميدان الشهداء" وتوجد منه نسخة على موقع (Youtube) تحت عنوان ((لقاءات مع قوات الأمن البحرينية  )) حيث قابل المذيع أولاً العقيد خليفة بن أحمد آل خليفة ثم انتقل لآخر وثم لثالث ملثم ليقول : (( نحن فدا تراب الوطن نحن فداء أرض البحرين وليخسأ الخاسئون اليهود النصارى المجوس مالهم مالهم أراضي عدنا إهنيه ، هنا السنة يهود ما فيه))   ولم نسمع أي اعتذار رسمي عن هذا الكلام ولم نسمع أنه تمت محاكمة هذا العسكري مع إن هذا العسكري كان قريباً جدا من موقع العقيد وكان البث مباشراً ، وكلامه يتضمن النية للتطهير العرقي ضد غير السنة ، وقد خص اليهود والنصارى بالاسم وللعلم إن في البحرين يوجد مواطنين يعتنقون الديانتين المسيحية واليهودية ، وإن كان بسياق الأحداث كان يقصد الشيعة ويحاول لمزهم بهذه النعوت .

2-    وما نقله موقع الجزيرة عن الكتاب الأمريكي نيكولاس كريستوف بتاريخ 17/3/2011 نقلا عن صحيفة نيويرك تايمز في جولة الصحافة ، وعن لسان الكاتب ضمن المقالة : ((الكاتب أشار إلى زميل صحفي له يعمل لدى نيويورك تايمز والذي حاصرته الشرطة البحرينية في المنامة وصوبت إليه بنادقها وكادت تطلق عليه النار وتقتله، لولا أنه سارع برفع جواز سفره في الهواء مبينا أنه صحفي أميركي.
ويقول الكاتب إن قائد فصيل الشرطة في المكان سرعان ما تقدم من الصحفي الأميركي سلاكمان محاولا تهدئة روعه، وإنه قال له "لا تقلق، فنحن نحب الأميركيين"، مضيفا "أننا لا نلاحقكم ولكننا نلاحق الشيعة"، وأما سلاكمان فيقول إن الشرطة البحرينية تطارد المحتجين وكأنها تطارد "جرذان".))
وتكرر إعلان استهداف الشيعة بالخصوص ينم عن أن هناك أوامر عليا وعلى قبحها فهي مقبولة عند العسكريين فلم يستنكفوا التصريح بها لوسيلتي إعلام ، وما هؤلاء العسكر إلا جز من النسيج الاجتماعي العربي سواء كانوا بحرينيين أو سعوديين أو أردنيين أو سوريين أو يمنيين ، أو حتى باكستانيين .

3-    كما نقلت صحيفة عكاظ السعودية في عددها (3589) بتاريخ 15/4/2011 عقيب الأحداث التي جرت في البحرين وفي شدة تفاعلاتها تحت عنوان : (( المفتي العام: الصفويون المجوس حاقدون على أهل الإسلام ))
 ما نصه : ((استنكر مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارات البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ بالتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي، محذرا من الاغترار بادعاءاتهم. وقال في اتصال هاتفي أمس مع «عكـاظ»: «إن كل ما يقال عن الصفوية المجوس ليس بكثير، فهم معروفون بتاريخ سابق أسود مظلم»، مؤكدا أن «تاريخهم كله يدل على الحقد والبغضاء على الإسلام وأهل السنة والجماعة». ودعا آل الشيخ إلى الحذر من مكائدهم والحذر منهم، مبينا أن «الواجب علينا أن نتقيهم ونحذر مكائدهم ولا نغتر بما يقولون وادعائهم وإظهارهم الإسلام فإن دعواهم الإسلام كله نفاق وخداع». ))

4-    ما قاله الشيخ ناصر العمر على قناة المجد ومنشور في موقع اليوتيوب تحت عنوان (( الشيخ ناصر العمر المظاهرات تجوز في غير السعودية )) حيث ورد ضمن كلامه :
(( ولكن هل تصلح أن تصدر المظاهرات لبلاد كثيرة ، نكون أكثر صراحة ، للملكة لأ ،أنا أقول والله ديانة ألقى الله بذلك أرى المظاهرات في المملكة محرمة لما تجره من مفاسد ، لماذا : أول من سيستثمرها هم الرافضة الذين يعملون في البحرين الآن ، سيستثمرها العلمانيون المنافقون .. ))
بهذا يتم المطلوب من كلامه ، ونلاحظ ان سبب حرمة المظاهرات هي استفادة الرافضة منها ، وكأن عمل الشيعة (الرافضة) للحصول على حقوقهم مصيبة في قلب الإسلام ، و إن لم يكن هذا النفس منتشرا لما أرجع إليه مستفيدا من خوف الشارع من الشيعة (الرافضة) !

5-    السائل الوارد للدكتور محمد سليم العوا ورده عليه يبين كمية الشحن الطائفي ففي موقع (youtube) مقطع بعنوان (محمد سليم العوا يرد على سؤال مهم حول ثورة البحرين) وكان في المقطع العوا يقرأ السؤال ويرد :
(( ما ردكم على من يقول بوجود أصابع شيعية وراء أحداث البحرين ، و [مش عارف أيه] شر على السعودية ولا حاجه كده ، وهل من أسس مصرنا الجديدة الوثوق بالروافض ، ونحن أكبر قوة سنية ؟ ))
فيرد العوا : (( يعني السؤال مزعج ، مزعج لأن أهل البحرين شيعة وسنة وإذا ظلم أحد في بلده فمن حقه أن يقوم بثورة مشروعة ، وثورة على القوى الظالمة حق مشروع في جميع الأديان السماوية ، سواء كان الإسلام أو المسيحية أو اليهودية ، وفي كتاب قديم لأستاذنا الدكتور محمد طه بدوي اسمه حق الخروج على الحكومات الجائرة في اليهودية والمسيحية والإسلام ، ثورة 1952 لما قامت أمسكه الرئيس جمال عبد الناصر في مؤتمر الأسكندرية لأن طه بدوي من الاسكندرية وقال :لقد قامت ثورتنا على هذا الكتاب وما فيه من أسس علمية ، بس بالليل صدر قرار بمصادرة هذا الكتاب ولم يطبع من سنة 51 حتى الآن )) .. إلى أن يقول : (( الفرق بين شيعي وسني في الثورة ليس موجودا ، تسمية الشيعة بالروافض رجوعا بنا للقرن الرابع والخامس الهجريين وهي غير جائزة ، الشيعة ليسوا روافض ، ولا نحن ينبغي أن نسمي أنفسنا السنة وهم الكفار ،ليسوا كفارا وليسوا روافض ، وهم يدعون أن مذهبهم مذهب آل البيت صلى الله على محمد وآله جميعا ، فلا يجوز أن نصفهم بالروافض فهذه قضية بين سيدنا معاوية وسيدنا الحسن بن علي ، وانتهت من وقتها ، ولا نريد تعيدها جذعة ونتكلم عنهم بهذا الأسلوب غير المقبول الشيعة إخواننا في الإسلام ، وهم في البحرين نصف أصحاب البلد أو يزيدون ، وإذا قاموا بأعمال من حقهم أن يقوموا بها للمطالبة بحقوقهم لا يجوز أن ترفض لأنهم شيعة ، ترفض لأنهم غلطانين ماشي ترفض لأنها مخالفة للدستور ماشي ، ترفض لأنها خروج على القانون ماشي ، ولكن لأنهم شيعة طب مخليهم ليه ببلدك ما تطردهم بئه (بقى) توديهم إيران ما تعمل تطهير عرقي في البحرين ، لا يا اخواني وأخواتي هذه المسألة يجب أن ننظر إليها في ضوء القيم الإسلامية العليا، وليس في ضوء كلام المشايخ ،كلام المشايخ يؤخذ منه ويرد عليه ))

6-    ومظلة العمل الكويتية (معك) قد شخصت الأوضاع بشكل جيد وقد أوردت رأيها في بيان نشرته جريدة الآن الالكترونية بتاريخ 26/3/2011 م قالت فيها
((تابعنا خلال الأيام القليلة الماضية بقلق بالغ ، التطورات التي تجري على الساحة الكويتية خصوصا و الخليجية عموما ، التي ولدت اصطفافا طائفيا بغيضا نتيجة لما يحدث في مملكة البحرين الشقيقة من تحركات مطالبة بالحرية و الديمقراطية.))

7-    وللأستاذ محمد حسين هيكل كلام حكيم في الحالة ضد البحرين حيث يقول في تسجيل مع الجزيرة موجود في (youtube) تحت عنوان (ما قال هيكل عن البحرين والخليج) وموجود نصاً في موقع الجزيرة تحت عنوان : (هيكل.. الثورات العربية بين الفعل والفاعل ج2) :
محمد كريشان: نعم، بالنسبة للبحرين، البعض يعتبر بأن دعاة التغيير في البحرين تعرضوا إلى ظلم وبأن لا أحد تعاطف معهم لا إعلامياً ولا سياسياً لإعتبارات تتعلق بالعلاقة مع إيران بالتقسيم الطائفي بدور السعودية بدول مجلس التعاون هل ترى فعلاً بأن دعاة التغيير في البحرين ظلموا؟
محمد حسنين هيكل: أنا بعتقد بأنهم ظلموا، وبعتقد أنه كلنا في العالم العربي إحنا بنقع في جريمة تاريخية.. لا ندري نحن نستبدل الشيعة بالصهيونية إحنا العدو إلي قدامي مذهبياً أو عقائدياً كان الصهيونية، الحركة الصهيونية يعني لازم نتكلم عن الشيعة وإستبدلنا إسرائيل بإيران وهذه معركة وهمية في إعتقادي، إيران دولة عشان ما يبقاش في مجال..إيران دولة لها مطالبها ولها مصالحها لكن ببساطة كدة يعني أبسط حاجة أنه أنا بقول أنه إيران ليست ملاكا طبيعي ليست ملاك لكن مشكلتي أنه عندنا شيطان في قلب العالم العربي مش معقول أنا ليس ملاكاً وعندي شيطان هنا، لكن أنا بعتقد إنه في البحرين إحنا بننسى أنه البحرين كان فيها إتفاق حدث. في إتفاق وأنا شخصياً أنا واحد من الناس إلي كنت أقصد جمال عبد الناصر كان موجود فيه وأنا كنت واحد من الناس إللي جمب جمال عبد الناصر فيه ولما جينا في مسألة البحرين وعروبة البحرين أفتكر أنه 70% من السكان شيعة وأقربهم كلهم معظمهم يتجهوا ناحية إيران لكن إحنا والملك فيصل قبلنا جميعاً قلنا لشاه إيران أنه إدينا ضمانات لأنها مهمة جداً قريبة من الخليج قريبة من دول الخليج كلها فلا بد تبقى عربية فبقت عربية والناس في البحرين حتى الشيعة منهم (كلمة غير واضحة) عربية طبعاً لأنهم عرب شيعة لأنه مش عيب أنهم عرب شيعة لكن إحنا النظام بعد كده أو التصرفات الموجودة أنا بعتقد أنه نحن بشكل أو آخر منطق أنت رافض أن تقبل أن في تنوع في العالم العربي أنت ترفض مبدأ الإختلاف أنت تحكم المنطق الضيق للمذهبية على حساب الوطنية ما تعال نتكلم هل إحنا بنتكلم على وطن ولاّ بنتكلم على مذاهب نحن نتكلم في البحرين على وطن، وطن لابد أن يكون لكل المواطنين لابد أن تكون لهم حقوق مش معقول تيجي تقول لي شيعة وسنة
محمد كريشان: الهبة التي كانت لدول الخليج في معالجة ما يجري في البحرين إلى حد إرسال قوات إلى هناك هل ستشفع لها في أن لا تمتد رياح التغيير ونحن نتحدث عنها منذ بداية الحلقتين تشفع لها أن لا تصل هذه الرياح إلى دول الخليج العربي..
محمد حسنين هيكل: أنا.. لا شوف عايز تفرق بين دول الخليج أنا بعتقد أنه البلد المهم في شبه الجزيرة العربية كلها هي السعودية وأنا بعتقد أن السعودية لا بد أن تتأهب للتغيير بما هو أكثر من مجرد إصدار جرائد بما هو أكثر من مجرد إذاعات أو محطات تلفزيون يجب أن تتأهل السعودية للتغيير لأن التغيرات قادمة بإصلاحات إجتماعية وسياسية حقيقية... ))
 ومع تحفظي على النص المكتوب لورود أخطاء ولكنه يفي بالغرض .
وهنا أيضا يوضح الأستاذ هيكل كم الحقد الطائفي ونفي الآخر ، ويرجع الظلم للوضع الطائفي وكيف وصل التطرف لاستبدال الصهاينة بالشيعة وإسرائيل بإيران ، وإن الشعب البحريني ظلم بهذا السبب .

8-    ما تفضل به الدكتور طارق السويدان مدير قناة الرسالة بشقيه ، حيث تعرض في تسجيل نشره على صفحته في "YouTube" بتاريخ تحت 21/2/2011م عنوان (تعليق د. طارق السويدان على أحداث ليبيا واليمن والبحرين ) ، وأظهر تأييد للثورة البحرينية وعدم سلامة قول من يقف ضدهم لأنهم شيعة وجاء فيه وأقتطع كمقتطفات فقد قال أولا:

(( سأبدأ بالحديث عن الحقوق العامة التي يجب أن تتوفر للشعوب )) ...
(( هذه الحقوق التي يجب أن تتوفر لكل الناس سواء التي ثارت أو التي لم تثر ، هذه هي التي يجب أن يطالب بها الجميع ))...
(( والأبدا بالحقوق الأساسية التي نريدها لكل شعوبنا ، حقوق تحققت للغرب وعاشوا فيها ويعيشون بكل أمان واستقرار وتطور ، وتحت كلما طالب الناس هددونا بأنه سيتزعزع الأمن وسيتزعزع الإستقرار وستذهب التنمية ويتدخل الأجانب ، لا يهمنا كل هذا التهدد ، نريد أن تتحقق هذه الحقوق لكل الناس ونحن المسلمين أول هؤلاء الذين يجب أن تتحقق لهم هذه الحقوق ، لأن ديننا يطالبنا بها ، ديننا كفلها لنا ، اضافة إلى إنها حق انساني عام ))...
(( الحقوق الأساسية التي نريد لكل الناس ويجب أن تطالب بها كل شعوبنا هذا حق للشعب المصري والتونسي الذي بدأ هذه الثورة وحق للشعب الليبي واليمني والبحريني والكويتي والعراقي والفلسطيني وكل بلد هذه حقوق أساسية يجب أن يطالب بها الناس اذا لم تكن متوفرة ويجب أن يجاهدوا من أجلها إذا منعوا منها  ))
ثم عرض الحقوق الأساسية للناس كأروع ما يكون ثم يقول قبل أن يفصل في شان الدول :
(( هذه قواعد للكل فان توفرت لكم الحقوق فكلنا يد واحدة ، وإن لم تتوفر لكم الحقوق فجاهدوا وكافحوا وناضلوا وابذلوا الدم وكل الوسائل للوصول إلى حقوقكم ولا ترضوا بغير ذلك وإلا لن تنهض الأمة ولن تكون أمة حضارية ))...
ثم بعد أن يفصل حال الدول يصل للبحرين ليختم بها بعد أن يبين قربها ومعزتها ففي ما يقول :
((البحرين تختلف عن كل دول الخليج ، بأن بهذا الوضوح نكمل الوضوح ، البحرين فيها أغلبية شيعية لا تحكم وأقلية سنية تحكم وهذا وضع تاريخي تاريخي طويل ، فهذا الوضع التاريخي يعني في البداية تفاهم عليه الناس ، لكن مع الأيام بدأت مشاكل خاصة لما بدأت الأحزاب تظهر بشكل رسمي وغير رسمي ، وبدأت الأحزاب تطالب بحقوق الناس وهذا حقها ، أنا هنا أقول أولاً مبدأ عندي ، الحقوق التي ذكرتها في البداية هي حقوق للجميع ، شيعة وسنة وليست فقط للسنة ، أنا أستغرب بعض الناس يؤيد ثورة مصر ويؤيد ثورة تونس ولكن لما يأتوا الشيعة يطالبوا بحقوقهم ( لا يدر بالكم منهم ) ليش ندير بالنا منهم ، أليسوا بشراً أليسوا شعبا من حقه أن يعيش بكرامة ، ويعيش يعني بكل الحقوق التي ذكرنها ، ومن حقه أن ينتخب ممثليه ومن حقه حتى أن يحكم إذا وصل بالإرادة الشعبية هذه حقوق ما فيها مكيالين نحن نعيب على أمريكا بالمكيالين ما نمارس نحن المكيالين هذه حقوق للجميع ، يبقى بعد ذلك ما هو شكل الحكم ، شكل الحكم هذه قضية شكلية بالنسبة لي ، هذه أمريكا وألمانيا وفرنسا جمهوريات ، وهذه بريطانيا وكندا ملكيات دستوريات فيها ملوك ملكة تحكمهم وسياتيهم ملك لكن في دستور والناس تنتخب ويختارون رئيس الوزراء ، ورئيس الوزراء يراعي حقوق الشعب سواء كان شيعي سني هذه بالنسبة لي ماهي قضية المهم أن الرأي الشعبي هو الذي يُستفتى ، والرأي الشعبي يحترم . والاختيار الشعبي يحكم . سواء وصل شيعي أو سني ، يجب إن يحفظوا حقوق الناس ، حقوق عبادتهم ، حقوق رزقهم ، العدالة الاجتماعية ، عدم التحيز لفئة دون أخرى . سواء حكم شيعي او حكم سني ، فإذا كان الشيعة يرون انهم مظلومين يجب أن يتم معهم الحوار ، ويستمع لهم ، وينصفوا ويعطوا حقوقهم . ))...
(( حاولت البحرين في بداية الأحداث ان تقمع هذه الثورة التي قامت ، وهذا خطأ استراتيجي وقعت فيه ، ووقع فيه قتلى ، ويجب أن يحاسب من مارس هذا القتل ، لكن الثورة كما ذكرنا إذا بدأت لا تنتهي بالقمع ، لذلك أنا أحيي ولي عهد البحرين الذي كان عاقلاً وليس كالمجانين الآخرين هؤلاء ، فأمر بسحب الجيش ، وبسحب القوات من الساحة الرئيسية في البحرين . وجاء هؤلاء وخيموا فيها ، وبدأوا يشربوا ويوزعون القهوة وغيرها .. فالناس تتظاهر بأمان وسلام . وهو ينتظر حوار معهم ، وهم الآن يشكلون لجنة ليحددوا مطالبهم ويبدأ الحوار هكذا الحل الراقي للأمور .. إلى أن نصل إلى معادلة ترضي الطرفين. وتحقق الحقوق للجميع . )).
ثم يقول : (( طبعا في بعض الناس بدوا يكلموني : ( لا لا البحرين الوضع خطير لأن هؤلاء شيعة .. وراهم إيران) ، هي إيران خلي تلحق مشاكلها أصلا ، إيران تقمع حقوق الشيعة والسنة في إيران )) ..
(( أنا ما عندي أي تخوف من إيران في قضية البحرين ، أولا لن تتجرأ إيران على الدخول في البحرين ، لأن كل الدنيا ستقوم عليها ، الخليج كله سيقوم وحتى أمريكا ستقوم ، فلن يرضى أحد إن إيران تتدخل تدخل مباشر ، فالله يخليكم لحد يخوفنا بالخطر الإيراني ... فلحد يهددنا بإيران وإنما أعطوا الشعوب حقوقها ، واعدلوا بين الناس وسيعيش الجميع بأمان وتنهض البلاد ))

ثم في تسجيل ثاني نشره على صفحته بتاريخ 15/3/2011م تحت عنوان (رسالة د. طارق السويدان للمتظاهرين في البحرين) يظهر فيه غضبه الشديد وكم تعرض للانتقاد لتأييده لثورة البحرين ، وكم فقد من الأصدقاء والمحبين بسبب هذا الموقف ومما قاله بهذا الصدد بعد أن عرض ملخص لكلامه السابق :
(( وكان طبعا هذا الموقف أدى إلى خسارتي لبعض أهلي وأحبابي وأصحابي حتى وبعض المقربين جدا لي ، ولكني لأني أؤمن بالمبادئ وإن المبادئ ليست للمساومة نساوم نناقش على المصالح ولكن ليست المبادئ فخسرت كثير من الناس ، وأزعجني أني أخسر أحد لأاني أحب أن أتفاهم مع الجميع ، ولكني مُصر على مبادئي لأني أمؤمن بهذه المبادئ ، الحقيقة لو الواحد تأمل لن يختلف معي بهذه المبادئ ، ووصل بعض الخسارة إلى أن بعض الناس شككوا في ولائي ، وشكك بعض الناس في انتمائي لأهل السنة الجماعة مع أن أنا أصولي من أمي وأبي كلنا من أهل السنة والجماعة لا أعرف غير ذلك ، لأني وقفت أؤيد حقوق الإنسان ، والناس للأسف ما عادت تميز هذا ، وبعض الناس قالوا عني كلاماً بذيئاً غفر الله لهم ، وبعض الناس سألوا يعني لماذا أتدخل في شؤون الآخرين ، والناس تريدنا إذا صار الأمر لصالحهم أن نتكلم لصالحهم يريدونا أن نفعل ذلك ، وإذا لم يكن موافقا 100% معهم لا يريدونا أن نتكلم بذلك ، أنا أؤمن إن كل العرب وكل المسلمين أهلي ، أنا لا أؤمن بهذه الحدود التي وضعها الاستعمار ، إن هذه أمتي { إن هذه أمتكم أمة واحدة } )).

 ثم يوجه خطابه للمتظاهرين بما يبين تغير موقفه من ثورة البحرين وأرجع تغير موقفه إلى ما نقله نقل المسلمات وألخصه بالأتي : 1 التلكؤ بقبول الحوار ،2 رفع صور وإعلام لدول أجنبية أثناء المظاهرات وان مسألة تعدد الولاءات مرفوضة ، وإنه يعرف إن هذه الصور رفعت من البعض ، وكان على البقية منعهم ،وإلا حقهم مفروض لأنهم يتعبون ولاءً أجنبيا لا ولاء البحرين ، 3 ثم انه رأى الأشد تعطيل للتعليم وتعطيل للصحة ، 4 ثم تعطيل المركز المالي الشريان المالي للبحرين .
ثم يقول (( ماذا تريدون من الناس أن يفكروا ، ماذا تتوقعوا منهم ، هذا ما عادت مطالبات سلمية بحقوق ، وإنما صارت مسألة تخريب ، وهذا الذي حرك الأمن واضطرهم أن يفرقوكم ، وهذا الذي جعل جيش درع الجزيرة الذي عليه اتفاق بين دول الخليج تحمي بعضها أن يتدخل في البحرين ، أنتم إلي جريتوا الناس لمثل هذا بهذه التصرفات الهوجاء ارجعوا إلى عقولكم ارجعوا إلى عقولكم ))..

بالطبع إن الأحكام التي أصدرها الدكتور طارق السويدان لم تكن من مصدر محايد ، لأن الفترة التي تحدث عنها نفس الفترة التي قال فيها النائب السني "عيسى الكوهجي" أنه ذهب خلالها للدوار وذهب فيها لمستشفى السلمانية ، ورأى بعينه ما يجري وإن كل ما يقال كذب وإشاعات تنشرها قناة وصال ودعاة الفتن ، ولا ندري كيف فات باحث متتبع كالدكتور طارق أن يتأكد من مسألة الصور المنشورة والمتضمنة لعلم حزب الله وصور بعض علماء الشيعة ، فنفسها رفعت في كل أرجاء العالم الإسلامي تقريبا خلال حرب تموز ، من السنة قبل الشيعة ، ولم يعترض عليها أحد ، ولم يُخَون بسببها أحد ، ولم نجد دليلا واحداً يثبت أن الشعب البحريني رفعها خلال المطالبات الوطنية .
وما يهمنا من الموضوع هنا نقله لحالة الاحتقان السني والتعصب السلبي الأعمى ضد الشيعة ، والتي وصلت حدتها أن فقد أصدقاء وأعزاء وأقارب بسبب موقف إنساني حقوقي بامتياز ، والذي كما نلاحظ أثر عليه شخصياً وإن كنا نظن به الخير .
والحق إن كلامه يحتاج أن يناقش فيه مفصلاً ، فقد تحامل في تسجيله الثاني بشكل واضح ، وتناقض كلامه الأول الذي كان يدعوا فيه للجهاد وبذل الدم إن لم تتحقق المطالب ، مع كلامه في التسجيل الثاني الذي تحامل به على الشعب وحمله للشيعة دون غيرهم ، وتوعد باصطفاف طائفي ضدهم ، ولا أستطيع إلا أن أقول إن التعصب الطائفي يمكن أن يتحكم بسهولة بالمفكرين والمثقفين ، وما الدكتور إلا مثال لتأثير الأجواء في تهيج الحس العصبي في الإنسان وتحول الآراء.

9-    وأيضا ما صرح به "الشيخ" محمد حسان في تسجيل متلفز موجود على صفحة الـ(YouTube) تحت عنوان ((رسالة الشيخ محمد حسان الي اهل البحرين و اليمن )) قال فيها :
(( وما يجري الآن أيضا في بلاد البحرين أقول لإخواننا من أهل السنة في بلاد البحرين اعلموا علم اليقين أن جميع أهل السنة على وجه الأرض معكم بقلوبهم وعقولهم وإمكانياتهم ، وهم يضعون كل ما يملكون من إمكانيات وقدراتٍ وطاقات عليمة وإعلامية ودعوية ومادية بل وروحية وجسدية ونفسية يضعونها تحت أمركم وتحت تصرفكم ، أهل السنة على وجه الأرض يدعمون أهل السنة في بلاد البحرين ))
 ثم دعا إلى رد المظالم وناشد المسئولين رد الحق إلى أهله ، ثم قال :
(( أما أن يستغل الشيعة الأمر ويحولوا البلد إلى فوضى ، لتحويل بلد من بلاد أهل السنة في قلب الخليج إلى بلد شيعي جديد فلا ، ولن يكون ذلك بإذن الله جل وعلا ، أهل السنة على وجه الأرض لن يسمحوا بذلك ، والله لن يسمحوا بذلك ، وهم يضعون كما ذكرت كل طاقاتهم وكل إمكانياتهم وكل تصرفاتهم تحت خدمة أهل السنة من إخواننا وأخواتنا في بلاد البحرين نفتديهم بدمائنا وأرواحنا نفتديهم بأغلى ما نملك وسنضل أوفياء لمنهج الله وسنة رسول الله مهما كلفنا ولو كلفنا ذلك الأرواح فدون ذلك الرقاب والأعناق ولن يسمح مسلم على وجه الأرض أن يتحول بلد من بلاد أهل السنة في قلب الخليج العربي الإسلامي إلى بلد شيعي ، ولا يجوز للعقلاء في العراق أو في إيران أن يحولوا الفتنة إلى أزمة جديدة خطيرة ، ليس من صالح أي أحد ، ليس من صالح أي أحد من الحكماء والعقلاء أن يحولوا هذه الأزمة إلى هذا الشكل الطائفي البغيض المقيت ، فأولئك الذين ينادون في العراق والذين ينادون في إيران بفض هذا الاحتلال زعموا لدرع الجزيرة ، على هؤلاء أن يعقلوا ، وأن يكونوا حكماء ، وأن يعلموا علم اليقين إن هذه القوات التي دخلت ، ما دخلت للغزو وما دخلت للاحتلال إطلاقا ، إنما دخلت لمعاونة أهل السنة الذين رؤوا أنفسهم بين عشية وضحاها أمام محنة وفتنة وأزمة خطيرة من نوع قبيح ، لن يسمح أهل السنة على وجه الأرض أبدا أبدا بأن تأسس على مرأى ومسمع من أهل السنة في الأرض دولة شيعية جديدة في قلب الخليج العربي والإسلامي ، وأؤكد كلنا كل أهل السنة بإذن الله جل وعلا يضعون كل إمكانياتهم تحت أمر إخوانهم من أهل السنة في بلاد البحرين وكذلك في أي مكانٍ على وجه الأرض يستضعف فيه أهل السنة ))
يُظهر الخطاب التحريضي الطائفي الذي استعمله حسان واستعداءه الصريح للشيعة ، واستبطان كلامه على التكفير ، فهو مره مع أهل السنة ضد الشيعة ومره مع المسلمين ضد الشيعة ، إن الأمر ليس طائفية المتظاهرين أو خيانتهم ، بل صرح إن الخوف من قيام دولة شيعية ، وإن هناك اصطفاف طائفي سني عام ضد شيعة البحرين ، ومما لا خلاف عليه إن الشيعة هم الأغلبية في البحرين .
 وأما إن صح كلامه إن درع الجزيرة دخل ليقف مع أهل السنة فهذه مصيبة ما بعدها مصيبة فقد أثبت أنه جيش طائفي دخل للتطهير العرقي ما يلزم منه اعتبار الدول التي أدخلت قواتها في البحرين دول ارتكبت جرائم ضد الإنسانية .
وأما إصراره على أن البحرين دولة سنية وخوفه من دولة شيعية على اعتبار إن الحاكم سني ، فيلزم من كلامه إن كشمير منطقة هندوسية وقيام باكستان غير شرعي وهي شيعية فمؤسسها وأغلب حكامها شيعة ، وإن لبنان دولة مسيحية ، وإن سوريا دولة علوية ، وإما إن كان اعتبار دين الدولة بناء على دين الأغلبية أو مذهبيتها بناءً على مذهبهم فنبشر الشيخ إن البحرين دولة شيعية كما أن لبنان دولة إسلامية ، سواء كان الرئيس منهم أو من غيرهم .
10-                       ثم ما تفضل به الشيخ القرضاوي في خطبة الجمعة 18/3/2011م عن البحرين ونقلته صحيفة الشرق الأوسط: ((الدوحة - لندن: «الشرق الأوسط» نفى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، أن يكون ما يحدث في البحرين حاليا هو «ثورة شعب.. بل ثورة طائفية»، واصفا ما حدث بأنه «استقواء بالخارج، وليست مطالب شعب بأكمله، وإنما خروج فئة عن فئة لفرض مصالحها بالقوة وتمادت إلى أن أصبحت ثورة طائفية وهذه مشكلتها». وتحدث الشيخ القرضاوي خلال خطبة الجمعة في العاصمة القطرية الدوحة أمس، قائلا :«سؤال سئلت عنه من أكثر من شخص ومن أكثر من جهة ومن أكثر من فرد، يقولون لي تحدثت عن الثورة التونسية، وتحدثت عن الثورة المصرية، وتحدثت عن الثورة الليبية، وتحدثت عن الثورة اليمنية، ولكنك لم تتحدث عن ثورة واحدة؟! قلت: ما هي؟ قالوا: ثورة البحرين، لماذا لم تتحدث عن ثورة البحرين؟! قلت لهم: دعوني أجبكم بصراحة، إن ثورة البحرين ثورة غير هذه الثورات».
وأكد الشيخ القرضاوي أن ما يحدث في البحرين «ثورة طائفية»، وأن باقي الثورات الأربع «كلها ثورة شعب ضد حاكمه الظالم»، وقال إن الشعب المصري خرج بكل فئاته وطوائفه، مسلمين ومسيحيين، شبابا وشيوخا، رجالا ونساء، «تقدميين ورجعيين، أهل الدين وأهل الدنيا، يعني الشعب المصري كله، وكذلك الشعب التونسي، كذلك الشعب الليبي، وكذلك الشعب اليمني، ولكن الثورة البحرينية ثورة طائفية».
واعتبر أن مشكلة ما حدث في البحرين أنه حدث من الشيعة ضد السنة، وأضاف: «أنا متهم بطبيعتي بأني ضد الشيعة، وأنا لست ضد الشيعة، أنا ضد التعصب وضد الطائفية وضد التفريق بين الناس بعضهم وبعض على أساس المذهب أو الفرقة، ولهذا ليست الثورة البحرينية مثل الثورات الأخرى».
وقال القرضاوي: «الشيعة جميعا ضد السنة جميعا، الثورة قامت طائفية شيعية.. أهل السنة لما شافوا هذا قاموا عملوا 450 ألفا أخرجوهم في جامع الفاتح وقالوا ونحن لنا مطالب أيضا، إذا كنتم أيها الشيعة لكم مطالب فنحن - أهل السنة - لنا مطالب أيضا، وقالوا مطالبهم.. وذكر إخواننا هناك أن الشيعة حينما كانوا في دوار اللؤلؤة لم يكونوا سلميين كما كنت أظن، قالوا لا إنهم لم يكونوا سلميين، بل اعتدوا على كثير من أهل السنة واستولوا على مساجد ليست لهم، واستعملوا الأسلحة كما يفعل البلطجيون في اليمن وفي مصر وغيرها ضد كثير من المستضعفين من أهل السنة! ومن أجل هذا، لم أتحدث لأني لا أجد نفسي حرا تماما، ولا أجد عندي المعلومات الكافية عما يحدث، وأنا كل ما أستطيع أن أقوله إني أتمنى أن يجتمع العقلاء من الشيعة والعقلاء من أهل السنة ويتحاوروا».
وأشار القرضاوي إلى دعوة ولي العهد البحريني إلى الحوار، وقال: «وأنا أرى أن في مثل هذه الأمور الحوار أولى، بدل أن ينقسم المجتمع انقساما طائفيا، وقد دعا إلى ذلك ولي عهد البحرين، وأن يدخل العقلاء المؤيدون.. الخطر أن ينسب الشيعة أنفسهم إلى بلاد أخرى ويحملوا صورة خامنئي وصورة نصر الله وصورة كذا وكأنهم ينتسبون إلى إيران ولا ينتسبون إلى البحرين، هم من أهل الخليج، فلماذا يخرجون عن الخليج! نحن نريد أن تكون المواطنة حقيقية».))
أساء سماحة الشيخ التقدير والتصرف في هذه الخطبة ، فقد قبل الشيخ الطعن الوارد ضد الثوار بما أضر بشكل الثورة بل والنسيج الاجتماعي وخلط الحقائق وأثبت الأكاذيب الواضحة ، فمن أورد لفضيلته هذه الطعون أخبره إن 450 ألف سني اجتمعوا في جامع الفاتح ، ولا أدري كيف يخرج 450 ألف سني بحريني مع إن تعداد البحرين عام 2011م هو 568 ألف ونيف ، أي 118 ألف فقط لم يخرجوا من مواطني البحرين في الفاتح أي أربع أخماس مواطني البحرين تقريبا هم من السنة وكانوا في الفاتح ، ولو استثنينا الأطفال العجز والعجائز والمشتغلين بالسنة في الأمن ومن هو مسافر ومن هو مضطر من السنة وقلنا هم تقريبا سيشكلون خمس مجموع السنة ، فلن يبقى في البحرين ولا شيعي واحد ، فكيف صدق فضيلته هذه الكذبة ثم أعاد إذاعتها ؟ .
وبلا خلاف أن سكان البحرين من الشيعة يزيدون على السنة نسبياً ، وفي أقل القديرات الشبه حكومية (تقرير البندر) الشيعة أكثر من 70% من الشعب وكذا هي نسبتهم في موقع (CIA - The World Factbook) ، أي إن المواطنين السنة 170 ونيف تقريبا والشيعة 397 ألف ونيف تقريباً ، فإن صح خروج العدد الذي ذكره فضيلته وكان كل السنة في الخارج سيشكل الشيعة ما يقارب ثلثاه .
فدعوى خروج هذا العدد بأي حال دعوى عارية عن الصحة ، ويتبعها سائر ما نقل له ، وقد نقلنا كلام النائب (السني) عيسى الكهوجي بأن ما نقل كان كذبا وتلفيقاً .
ثم مسألة الصور ، بمتابعة الأحداث لا يوجد ولا فيديو واحد ولا شاهد محايد على رفع صور علماء الشيعة في دوار اللؤلؤة خلال ثورة البحرين ، ثم إن للسيد الخامنئي والسيد نصر الله أبعاد غير إيران ولبنان كدول ، فهم من علماء الشيعة المتصدرين في القضية الفلسطينية والمقاومة الإسلامية ، فلا أعتقد إنه من العيب أو من المخجل أن يرتبط الإنسان بعلماء مذهبه ودينه ، وهذا لا يعني بحال إنه يرتبط بهم بولاءٍ سياسي ، وما كان ينبغي أن تؤثر هذه الصور على فضيلة الشيخ ، وحتى ما كان ينبغي أن يصدق إنها رفعت في هذا الوقت الذي كثرت فيه الفتن دون بينه يقينية ، ولا يفوتني أن أذكر إن أغلب العالم الإسلامي رفع هذه الصورة كأهل البحرين خلال حرب تموز ، وكل العالم الإسلامي رفع أكف الضراعة لنصرة حزب الله و السيد نصر الله ولم تكن حينها المسألة تفرق أكان شيعيا أو سنياً ، إلا عند فئة ضالة حرمت الدعاء لهم بالنصر وكانت تتمنى أن تتنصر إسرائيل على حزب الله ، فهذه الصور لا علاقة لها بهذه الأحداث ، وإن كانت تعد خيانة فكل المسلمين خونة .
المهم من كلام فضيلته أنه قلب الحقائق وجعل الثورة الوطنية التي يشكل غالبيتها الشيعة لطبيعة تركيب البلد المكون من أكثرية شيعية قد مورس الظلم ضدها خصوصاً ثورة طائفية شيعية ، وقال ((جميع الشيعة مقابل جميع السنة)) وإن تنزلنا فرضاً على قبول هذا وكنا في زمن تدعون به للديمقراطية وحكم الأكثرية فلماذا لا يحكمون ؟
وإن كانت هذه الدعوى كغيرها فاقدة للمصداقية ، فهناك من الشيعة من هم مع النظام الحكام كسميرة رجب التي تدافع عنه بكل شراسة ، وكجواد العريض الذي كلفه الملك بتشكيل لجنة تحقيق في أحداث 14 فبراير والذي ساوم والدة " الشهيد علي مشيمع " على دم ابنها مقابل فيلا وسيارات ووظائف لأبنائها ، وحتى رجال دين كالشيخ عبد المحسن العصفور والسيد ضياء الموسوي وغيرهم ، وكان هناك جمعيات وطنية ذات غالبية سنية مع المعارضة كجمعية "وعد" والتي مازال أمينها العام "إبراهيم شريف" السني في السجون بعد أن حكم عليه بالسجن خمس سنوات ،  وإبراهيم شريف كان له تأثير على الثائرين ذوي الأغلبية الشيعة أكثر من أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان بشهادة الكثير منهم ، بل إن أول سجين في هذه الأحداث هو "محمد بوفلاسة" السني ، فالسنة هم أول من تعرض للقمع والترهيب في هذه الأحداث ، وقد خرجت الأغلبية الشيعة الثائرة مع الأقلية السنية الثائرة يداً بيد وكتفاً بكتف في أخطر مظاهرة عند ديوان الملك للمطالبة بالإفراج عنه ، فهل هي ثورة شيعية ؟
وإن كانت ثورة شيعية تعرض نفسها للخطر الأشد لأجل سني فنعمت الثورة هي ونعم الثائرون هم .
ولكن الشيخ وقف مع الثورة السورية ولم ينعتها بالطائفية ولم يشر لخيانتها ، مع إن ثوارها نادوا باسمه في سوريا وهو مصري يحمل الجنسية القطرية ، جنبا إلى جنب مع اسم العرعور وهو سَبّاب معروف للشيعة ، ونودي فيها بلا لا للشيعة ، ونودي فيها مصحوباً برفع أعلام السعودية (( لا إيران ولا حزب الله حنا رجالك عبد الله .. ومالنا غيرك بعد الله )) فعلى وفق كلامه إن كان من منطلق مبادئ ، ينبغي أن يقول في ثورة سوريا أسوأ مما قال في ثورة البحرين .
ولكنه يا شيخ التعصب الطائفي ضد الشيعة .

ولعل الحدث السياسي الوحيد الذي تبناه دعاة السلفية وغيرهم من الإسلاميين وجيروا له برامجهم الدينية ، ضد كل المبادئ والقيم هو تحريض الناس ضد هذه الثورة .
فبعد هذا الاستعراض السريع ، من هو الطائفي ؟
هل الثورة البحرينية طائفية ؟
أم الوقوف ضد الثورة البحرينية كان بدافع التعصب الطائفي المتطرف ، الذي أدى إلى إيجاد اصطفاف طائفي سني على نطاق واسع سواءً كان فعّالاً أو صامتاً .
الطائفية فوق الدين :
بل ومن السخرية إن الطائفية في البحرين صارت فوق الدين ، فهي أكثر مكان هدمت فيه مساجد دفعة واحدة ولم يتحرك العالم الإسلامي "السني والشيعي" بطريقته المعتادة ، هذا غير الاعتداء على الحسينيات ، والمسلمون الذين يثورون لإهانة ورقة من كتاب الله عز وجل ، خرست ألسنتهم أمام المصاحف المحروقة والمدهوسة تحت أنقاض المساجد ، بل تجاوز الأمر إلى أنه ولأول مرة يقوم عسكري بإطلاق النار من (الشوزن) على مصحف ليمزقه وهو بيد شاب ، ولم يرمش لدعاة الإسلام جفن ، ولو حدثت مثل هذه الحادثة في دولة كافرة لقامت الدنيا ولم تقعد ، ولعل ذاكرة المسلمين لم تنسى القس الأمريكي "جونز تيري" الذي خطط لحرق القرآن والاحتجاج الإسلامي الواسع ضده ، ولكن يا سادتي التعصب الطائفي في البحرين فاق الدين واسترخص حرمة المساجد وقداسة القرآن وروح الإنسان .

انتشار التعصب  والاستغلال السياسي .
يمكن تقسيم التعصب إلى موجب (في صالح) وسالب (ضد) ، الموجب هو ما ينتج عنه ارتباط مبالغ فيه داخل الجماعة واعتبار أفرادها ذوي الحق المطلق دائما لمجرد انتمائهم لهذه الجماعة ، وأما السالب فهو تعصب الجماعة وأفرادها ضد المجاميع الأخرى أو بعض المجاميع وعلى أفرادها بحيث تعتقد أفراد الجماعة (نحن) إن أفراد الجماعة أو الجماعات الأخرى (أنتم) مصدرا للشرور ضد (نحن) لمجرد انتماءهم لتلك الجماعة ، دون مبرر ودون النظر للسلوك الفردي للأفراد ، بل بأحكام مسبقة سواء كانت وهمية أو بناء على أحداث تاريخية ، يرى (نحن) إنها كانت مضرة لمصالحه ، ما يترتب عليه عزل أفراد الجماعات (انتم) والتحريض ضدهم والنيل منهم ومن كرامتهم الشخصية ، ويمكن أن يتطور التعصب إلى الاعتداءات الجسدية وحتى القتل دون مبرر إلا إنهم من الجماعة الأخرى .
ويقول الدكتور هاني الجزار في كتابه (في أسباب التعصب نحو رؤية تكاملية) ص25 :
 (( يمكن أن نحدد المتضمنات الأساسية لاصطلاح التعصب في عدد من النقاط :
أ‌-       اتجاه قد يكون سالباً أو موجباً .
ب‌-   ينطوي على حكم مسبق لا يبتني على شواهد معرفية ، ويصعب تغييره .
ت‌-  هذا الحكم تصحبه مشاعر بالتفضيل (حب) أو عدم التفضيل (كراهية) إزاء موضوع التعصب .
ث‌-  ويترتب عليه نزوع للسلوك بشكل تمييزي سواء (ضد) أو (في صالح) موضوع التعصب . )) .
ولا يخفى أن هذا التعصب السلبي أدى لكوارث إنسانية عبر التاريخ  تضمن مختلف ألوان التمييز التي تضمنت الإبادة والتهجير القسري ، فما وقع في الهند بين المسلمين والهندوس مثال ، وما وقع في البوسنة آخر ، وما وقع ويقع في فلسطين المحتلة لا يخفى على أحد ، بل وقعت مجازر بين المسلمين أنفسهم ، فالتفجيرات المتكررة في باكستان ، وما وقع في العراق ضد المسلمين الأكراد في حلبجة وغيرها وراح ضحيتها ألاف الأبرياء ، وما يحدث في العراق اليوم من استهداف طائفي واضح ، مشاهد وصور يجب أن لا نغفلها ولا تغيب عنا .
وبوادر تطور هذا التعصب الطائفي من الاضطهاد إلى تهجير والقتل واردة في مجتمعاتنا ، فما يجري في البحرين ليس سوى البداية ، وقد تكررت حتى في وسائل الإعلام دعاوي التهجير إما تصريحا أو تلميحاً داعية لتهجير الشيعة من بعض البلدان إلى إيران ، وتعالت بعض المطالب بتهجير كل شيعة المنطقة ، حتى من المناطق التي يعد سكنها الأصليين شيعة منذ فجر الإسلام كالإحساء والقطيف والبحرين والمدينة المنورة ، فهل ستنتظر حكومتنا ومثقفينا وحتى علماء الدين السنة الصادقين إلى لحظة انفجار الوضع والوصول للأسوأ ؟
أليس لنا في العراق عبرة ، ففي العراق تطور الأمر سريعاً بتزاوج فلول صدام مع فلول القاعدة فأنجبوا الإرهاب الزرقاوي ومجاميع الموت والقتل والترويع وسفك الدماء ، ودول وإمارات إسلامية في الظلام مغمسة بمستنقع الدماء البريئة ، فتكرر استهدافهم للشيعة عبر تفجيراتهم وانتحارييهم ، ولم يستثنوا مراقد الأئمة ، ومن أشهر ما صنعوا اغتيال السيد محمد باقر الحكيم وهو خارج من صلاة الجمعة بجوار مرقد الإمام علي (عليه السلام) ، ومجزرة جسر الأئمة التي راح ضحيتها المئات ، ثم قاموا بقتل الشيعة على الهوية مستفيدين من بعض فتاوى التكفير كفتوى بن جبرين الذي أجاز قتل الشيعة بعد أن كفرهم بل وحتى أجاز التمثيل بهم ، وكانوا إذ ذاك ضامنين سكوت الشيعة وعدم ردهم بسبب فتاوى مراجعهم المحرمة لهكذا أعمال .
 حتى خرجت أول حركة شيعية لتعلن تمردها على أوامر المرجعية الشيعية ، فقام المشهور "بأبي درع" بتبني حركة رد على القاعدة بأسلوبها ، فقام وأعوانه أيضا بقتل السنة على الهوية ، وإن ادعوا إنهم لم يقتلوا إلا أنصار القاعدة وتابعيها ولكنهم بكل تأكيد تجاوزوا حرمة الدماء ، وإن أثبتت حركتهم فاعليتها بعد أن ضج السنة على الجماعة السنية المتطرفة وأنصار القاعدة وجماعة الزرقاوي وقاموا هم بصدهم والتبليغ عنهم حتى خف وجودهم بشكل ملحوظ .
ثم كادت أن تقع في العراق الواقعة ، عندما تم تفجير قبة الإمامين العسكريين في سامراء ، واجتاح الغضب شيعة العالم ، وكانت النفوس مهيأة لدخول حرب طائفية عظيمة تبدأ من العراق وتجر لها الخليج وإيران وباكستان وبلاد الشام .
إلا إن مراجع النجف وعلى رأسهم السيد السيستاني استطاعوا تهدئة الأوضاع ، وامتصاص غضب الشارع الذي امتثل لطلبهم بالتهدئة ، وعمت العراق مظاهرات تطالب بالوحدة وتطبيق القانون والقبض على الجناة ، وإلا فكان المتوقع أن تفلت السيطرة من يد المراجع ، ويتمرد الشيعة على الأوامر المتكررة بالتهدئة وضبط النفس .
كما لا يُنكر وجود التعصب في نقاط التماس الشيعي السني في الشرق الأوسط والمجتمع الخليجي على وجه الخصوص في الفترة الأخيرة ، إلا إنه لا يرقى لمستوى يجر الشرق الأوسط برمته إلى حرب طائفية ، ولكن مع توافر وسائل الاتصال وتسارع وتيرة تطور الأحداث العالمية ، ارتفعت الضغوط النفسية على بعض الأطراف مما حدا بها للجنوح في عصبيتها المتطرفة .

التطرف "الوهابي"
 ومع أرضية انتشر فيها الفكر السلفي الوهابي ، وقيام حركات جهادية تتبع هذا الفكر ، وجهت سهامها في كل اتجاه ولم تفلح إلا في أفغانستان ، كان الحدث الأكثر تأثيرا عليها وإحباطا هو تحرير جنوب لبنان عام 2000م ، فتبدلت الوتيرة وبدأ الطعن العلني في الشيعة ومعتقداتهم ، والتخبط في القرارات فقاموا بما أسموه (غزوة منهاتن) التي جرّت الويلات على الأمة الإسلامية.
وزاد الأمر سوءاً مع حرب تموز 2006 التي حاربت خلالها السلفية الوهابية حزب الله ، وأعلن بعض فقهائهم حرمة الدعاء بالنصر لحزب الله ، بل إنهم أخذوا يعلنون العداء والطعن بمختلف الأشكال ، فبعضهم اليوم ينكر انتصار حزب الله مع اعتراف الصهاينة ، ومن الآراء المنتشرة بينهم إن حزب الله عميل لإسرائيل وهو حامٍ لحدودها ، وهو السبب بغزو صليبي أممي للبنان يعنون بذلك "قوات اليونيفيل" ، وفي نفس الوقت شنوا حربا بمختلف الوسائل ضد الشيعة بل وشيدوا قنوات تلفزيونية للطعن بهم بأبشع الأساليب ولم يتورعوا أن يملئوها بالأكاذيب ، خارجين بذلك خارج حدود التدين والخلق الذي يفترض أن يتحلى بهم المسلم ، ولكنه أيضا التعصب (الموجب) الذي جعل الكثيرين يثقون بمجامعيهم الفتنوية دون وعي أو إدراك لحقيقة وأحقية ما يقولون .
إن  توقيت هذه الحملات الشرسة وما صرف عليها جعل كثيرين يعتقدون بأنها مدعومة من الكيان الصهيوني مباشرة ، ولكننا نختلف مع هذا الرأي ، فالأرضية ممهدة فكريا ونفسيا وسياسيا لظهور هذا التعصب و وصوله لمرحلة تبرر للمتعصبين سعيهم للتطهير العرقي ، فمن جهة حالت الإحباط من الحركات الجهادية المنتمية للفكر الوهابي بسبب إخفاقاتها ونجاح حزب الله في القضية الإسلامية الأولى "فلسطين.. والكيان الصهيوني" ، ومن جهة أخرى دعم بعض الحكومات لهذا التعصب واستغلاله في صالح بقائها وقمع الشعوب ، وثالثة تأييد وتشجيع ودعم الكيان الصهيوني وأمريكا إعلاميا وفكريا لإشعال الخلافات المذهبية .

التطرف الشيعي
إن استمرار التطرف المفرط في العداء من مجموعة ما على مذهب ما ، وسكوت البقية "من الداخلين تحت مسمى واحد مع المجموعة" عن هذا العداء المتطرف ، سيولد ردود فعل عكسية ، لا يدري أحد متى وكيف تنفجر ومن يفجرها .
وقد نشأ فعلا تطرفٌ شيعي سلبي ضد بعض الوهابية وهم المجموعة التي تمارس السلوك العدائي ضد الشيعة ، ويكتسب صفت التعصب أغلب من يقع بتماس مباشر مع هذه المجموعة ، ولكن وللأسف بدأ التعصب ينتشر باتجاهين :
الأول : داخل المجتمع الشيعي ضد هذه الفئة التي تمارس عداءها ضد الشيعة وتحاول عزلهم عن المجتمع المحيط .
ثانيا : انتشر التعصب في مجموعة التماس الشيعية ضد الوهابية بعمومهم ، على اعتبار المنطلق الفكري الواحد ، وزاد الأمر سوءاً إن من يمارس التطرف مقبول ومقدم عند البقية ، بل وأحياناً يدعم منهم .
ولهذه الانتشار المحدود حالياً دلالة واضح وخطيرة ، فهو يدل على إننا نخطوا إلى مرحلة قد يُعلن فيها العداء العام بين الشيعة والوهابية .

موقف الإسلام من العصبية وتمايز الأقوام
وأكتفي هنا بنقل حديثين ورأي للإمام الشافعي :
(8646) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «لَنْ تُفْتَنَ أُمّتي حَتّى يَظْهَر فيهِم التّمايزُ وَالتّمايُلُ وَالمقامِعُ»، قلت: يا رسول الله ما التمايز؟ قال: «التّمايُزُ عَصَبِيَّةٌ يُحْدِثُها النّاس بَعْدِي في الإِسْلامِ». قلت: فما التمايل؟ قال: «تَميلُ الْقَبيلَةُ علَى الْقَبيلةِ فَتَسْتَحِلُّ حُرْمَتَها». قلت: فما المقامع؟ قال: «سَيْرُ الأَمْصارِ بَعْضُها إِلى بَعْضٍ تَخْتَلِفُ أَعْناقُهُمْ في الْحَرْبِ». هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. المستدرك على الصحيحين
 (5114) ـ حدثنا مَحمُودُ بنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ قالَ أخبرنا الْفِرْيَابِيُّ قالَ أخبرنا سَلَمةُ بنُ بِشْرٍ الدِّمَشْقِيُّ عن بِنْتِ وَائِلَةَ بنِ الأسْقَعِ ، أَنَّهَا سَمِعَتْ أَبَاهَا يَقُولُ: « قُلْتُ: يا رَسُولَ الله ما الْعَصَبِيَّةُ؟ قال: أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ». سنن أبي داوود
وفي سنن البيهقي الكبرى باب شهادة أهل العصبية
(( قالَ الشَّافِعِيُّ رحمهُ الله: مَنْ أَظْهَرَ العصبيةَ بالكلامِ وَتَأَلَّفَ عَلَيْهَا ودَعَا إِلَيْهَا، فهو مردودُ الشهادةِ، لأَنَّهُ أَتَى مُحَرَّماً لا اختلافَ فيهِ بينَ علماءِ المسلمينَ عَلِمْتُهُ، واحْتَجَّ بقولِ الله تَعَالَى {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} وبقولِ رسولِ الله: «وكُونُوا عبادَ الله إِخْوَاناً» ))

الاستغلال السياسي للتعصب :
1- التعميم الطائفي
اتفقت الأنظمة الساقطة والآيلة للسقوط والتي يحتمل أن تقوم عندها أي مطالب إصلاحية ، على إن أي مطلب شعبي يخالفها هو امتداد لأصابع خارجية ، ولم تستثنى البحرين من ذلك ، إلا إنها رجعت بعد أن اطمأنت لثبات الحكم بتدخل الجيش السعودي والقوات الأخرى بنفي التهمة عن إيران كما بينا ، ولكنها وخلال الأحداث استفادت من الخوف الكامن في قلوب البعض من إيران ومن الشيعة ، فحاولت فصل المعارضة عن النسيج الوطني وإظهارها بأنها معارضة شيعية بحته (( شيعة ضد سنة )) ، وقلبت الرأي العام الخليجي ضد مطالب شعبها واستجدت تعاطفه معها تحت هذا العنوان ، فانقطع الإعلام عن دعم القضية البحرينية لأنهم شيعة ، ونقطع دعم الشعوب والمنظمات لأنهم شيعة ، وبدأنا نسمع التخوين والتحريض العلني ضد الشيعة ، فنجح النظام البحريني باستنفار الشعور العصبي (الموجب) لدعمه ، والشعور العصبي (السالب) للدفاع عنه ومحاربة أعداءه ، واستطاع أن يظهر للجماعة التي شكلها طائفياً بأن الحركة الاحتجاجية في البحرين غير وطنية وطائفية وعميلة وعمم هذه الفكرة على كل المنطقة ، فاستعدى بوعي أو دون وعي كل الشيعة في المنطقة ، وأدخلهم على خط المواجهة معه ومع أنصاره ، فزاد الضغط على الوضع الطائفي في المنطقة ، وكاد يشعل فتيل الحرب .
وبنفس الطريقة مستغلين العداء للشيعة ، والتعصب الطائفي ، استطاع النظام السعودي وأنصاره إخماد ثورة "حنين" في مهدها كي لا يستفيد الشيعة في المنطقة الشرقية من الإصلاحات ، أو لا تستفيد إيران من هذه الإصلاحات ، بل نشر الكثير من أنصاره على شبكة الإنترنت معلومات تفيد بأن ثورة حنين مدعومة من إيران ومن الشيعة ، فكانت هذه العقدة من الشيعة وإيران سبب رئيسي لإجهاض الإصلاحات في السعودية .

2- مرتزقة البحرين حالة فريد وسابقة عالمية خطيرة
يتفهم العالم كله أن تستنجد دولة بدولة لصد هجوم دولة ثالثة أو لاجتياح دولة ثالثة ، أما أن تستورد دولة قوات أمنها من دول أخرى ، وتستورد جيوش سعودية ، وقوات أمن إماراتية ، ودرك أردني ، لقمع شعبها بسبب مطالباته بالإصلاح بشكل سلمي ، ولم تقم في هذا البلد لا حرب داخلية ولا حتى أعمال عنف همجية ، والعالم يصمت ؟
فهذا إقرار من العالم كله بشرعية هذه العلمية ، واعتراض إيران ليس بذي أثر  كثيراً هنا ، فالسكوت عن هذه الحداثة وإن كان من الجهة العربية لمبادئ طائفية ومن الجهة الأجنبية لمصالح إستراتيجية للسيطرة على المنطقة ، ولكنه سيضطر العالم للصمت إزاء أي حاكم يستنجد بقوات أجنبية لقمع شعبه ، وحتى نبين طائفية الموقف العربي هنا نضرب مثالين :
الأول : القذافي حيث شُنع عليه أيما تشنيع لوجود قوات غير ليبية بين قواته .
والثاني : فرض نضربه ، لو استنجدت سوريا بإيران لقمع شعبها بناء على وجود علاقات مميزة ومصالح مشتركة وتعاون أمني استراتيجي ، فهل سيصمت العالم العربي ، أم سيبدأ بالإدانة ؟
هنا نلاحظ ازدواجية المواقف الحقوقية التي لا يمكن فهمها إلا من جهتين ، إما إن الصمت سببه طائفي لأن أغلبهم شيعة ، أو تم الدفع وشراء ذمم الصامتين ، والثاني مستبعد في ظل صمت مطبق وكأن الطير على رؤوس العرب ، فلا يبقى إلا دافع التعصب الطائفي ، الذي للأسف شرع جريمة جديدة في حق الإنسانية .

من يغذي التعصب :
لا يمكن حصر أوجه تغذية التعصب وليس هنا مكان هذا العمل ولكن ما يرد هو لمجرد الإشارة للبعض الأمور المهمة ذات العلاقة بهذا الموضوع
أولا : الأنظمة المستبدة :
بات واضحا إن الأنظمة تغذي التعصب والعداء الطائفي وتدفع الناس إليه ، مستفيدة من هذا التفريق للأمة عن حقوقها للحفاظ على بقاءها (الأنظمة) ، ودائما لا بد أن يكون هناك طرف تستند عليه الأنظمة ، ويقبل ولو بالفتات من حقوقه خوافا من زواله كما تصور الأنظمة له .
ومن أوجه تغذية الطائفية التي استعملها النظام في البحرين مؤخراً ، القيام بإلقاء القبض على المعارضين "الشيعة" وبعض السنة ومحاكمتهم بتهم التجمهر والإخلال بالأمن وأحيانا التحريض على كراهية النظام ، ولكنها لم تحاكم من تجمهروا في الفاتح ، ولم تحاكم النائب السابق "محمد خالد" الذي بثت قناة "وصال" خاطبه وتجمهره الذي حرض فيه على التسلح والاعتداء على المعتصمين ، ولم تحاكم أحد ممن توجهوا لمحيط دوار اللؤلؤة واشتبكوا مع المعتصمين قرب مكان اعتصامهم ، أو من اشتبك مع المعارضين أثناء قيامهم ببعض المسيرات ، وحتى في أحداث الجامعة ، لم تحاكم من ظهرت صورهم من أنصار النظام وهم يحملون الهراوات والأسلحة البيضاء حتى الخناجر والسيوف ، ولم تحاسب الأمن الذي سمح بدخولهم ، بل حاسبت المتصدين لهم والذين ظهرت صورهم وهم يدافعون عن أنفسهم أو وهم يقيمون طوقاً بشريا حول الفتيات حماية لهن من الاعتداء .
ومن أوجه تغذية التعصب في المنطقة  ،التمييز في الوظائف القيادية في بعض الدول في الخليج ، بل وراعية بعض الدول لهذا النوع من التمييز ، وكذلك في شغل بعض الوظائف كالوظائف العسكرية في البحرين والسعودية حيث تقريبا تكاد أن تكون هذه الوظائف محرمة على الشيعة .

ثانيا : اليد الصهيونية وتغذية التعصب :
صرح رئيس قسم الدرسات الخارجية في جامعة تل أبيب خلال محاضرة نشر منها مقطع على وقع ((YouTube)) بعنوان (( كلام خطير من دكتور في جامعة تل ابيب )) في معرض حديثه عن لبنان بقوله : (( نحن (الصهاينة) مثل السعوديين والمصريين والأردنيين ، نريد أن يبقى لبنان جزء من العالم العربي ، إسرائيل الآن حليف غريب للسنة العرب ضد الشيعة والإيرانيين ، لكن تحالفنا هذا الذي نملكه مع مصر والسعودية والأردن ضد إيران والتأثير الشيعي ، هو تحالف أسميه تحالف الحزن ، السعوديين والمصريين والأردنيين أقل ثقة مقارنة بإيران وحزب الله عن المستقبل ، اسمعوا كيف يتحدث أحمدي نجاد اسمعوا نصر الله هذا الجو وتلك الطاقة بالثقة بالنفس ، الوقت وقتنا هذا وقت الشيعة ، أهل السنة في تراجع ، وهم أقل من الثقة المطلوبة كحلفاء معنا ضد إيران ، لذلك إسرائيل على هذا الاعتبار في تحالف الشجن ، السنة يمكنهم الاعتماد على إسرائيل للوقوف ضد إيران أكثر مما يمكن لإسرائيل الاعتماد عليهم لنفس الأسباب ))
وما قاله واضح ولكنه لا يعكس الحقيقة كاملة بل ما يريده أن يكون حقيقة ، فقد قسم المسلمين إلى فريق عرب وسنة وفريق إيرانيين وشيعة ، وتحدث عن الشيعة كالقوى المسيطرة ، وعن السنة إنهم الحلقة الأضعف ، ليظهر للسنة ولغيرهم ممن يسمعه إنهم اللقمة السائغة و سيأكلهم الشيعة ، بحيث يزيد من توترهم وشعورهم بالضعف ، ثم يحاول أن يرسخ إن هناك حلف سني صهيوني ولا يخصصه بالأنظمة بل يعممه على الشعوب من منطلق طائفي ، ويركز في الأذهان إن السنة أضعف من أن يواجهوا الشيعة ، ولا يمكن لإسرائيل أن تعتمد على السنة ولكنها سوف تكون عوناً للسنة .
ومن النتائج الأولية التي يغذيها من خلال هذا الطرح :
1-    تركيز فكرة وجود خلاف عربي إيراني ذو طابع مذهبي
2-    الإيحاء للسنة إن الشيعة أقوياء جدا لا يمكن أن يضاهوهم ، فيشعل الغيرة والعداء في نفوسهم .
3-    الإيحاء للسنة إنهم ضعاف جدا ، فحتى إسرائيل لا يمكنها الاعتماد عليهم ، حيث يدفعهم إلى التفكير بتقوية أنفسهم وإضعاف الشيعة .
4-    إن على السنة الشعور بالامتنان لإسرائيل لأنها تحالفهم وتدافع عنهم وتريد الخير لهم .
5-    ويتحدث من باب مقدمة لا يذكرها جاعلاً إياها وكأنها مسلمة " لا خلاف بين السنة والكيان الصهيوني " فينشغل من يستمع له بما قاله دون الالتفات إلى هذه المقدمة التي لا بد أن يسلم بها قبل أن يفكر بمنطقية كلامه وصحة ومدى تأثيره وواقعيته .
6-    كما يوحي كلامه للشيعة إن الحرب بيننا وبينكم ، والسنة حليفنا إلى الذي سوف يضر بكم ، لتتحرك حمية الشيعة ويضعوا السنة في خانة الصهاينة .
7-    وبما أن الشيعة والسنة أقرب مكانا إلى بعض من الصهاينة وأسهل وصولاً لبعض ، فينشغلون بأنفسهم عن الكيان الصهيوني .
وبالنتيجة فالصهاينة أجادوا شحن النفوس بحيث يظن بعض المغفلين إن الخطر ليس من كيانهم بل من الشيعة ، وثم يشعر الشيعة بأن الخطر ليس من كيانهم بل من السنة ودواليك، فينشغل المسلمون ببعضهم عن الكيان الصهيوني ليعيث في الأرض المحتلة فساداً إلى أن تضعف شوكة المسلمين أكثر من ضعفها وتكون لقمة سائغة أمامه يفعل بها ما يشاء كيفما شاء .
ثالثا : الموقف الأمريكي وتقسيم المنطقة
وإلى هذا التحالف أشارت ((وكانت كلينتون قد أشادت خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ بما سمته "تحالف إسرائيلي عربي" ضد امتلاك إيران أسلحة نووية، وقالت إن "هذا التحالف فرصة ستمكننا معاً من المضي قدماً بانخراطنا بخصوص إيران، والتزامنا بمتابعة الدبلوماسية وبناء تحالف متعدد الأطراف لا يضم فقط دول المنطقة بل الدول الأوروبية وروسيا والصين وآخرين".))
ما مر لا يعتمد بحال على وثائق وكيلكس والتي تضم الكثير وبالأخص بما يتعلق بدور الرئيس المصري السابق المخلوع محمد حسني مبارك .

أعتاب الحرب الطائفية
انتشار الاحتقان وبالأخص الوهابي ومحاولة تعميمه على جميع السنة ضد الشيعة ، كما ظهر من الشواهد السابقة ، والخوف الوهمي مما يعتقده البعض مؤامرة شيعية لها شواهد كثيرة أحد أوجهها ما تبثه قناة "وصال" ولعل برنامجها "التغلغل الإيراني في الكويت" ، والذي نال من كل الشيعة حتى ذوي الأصول العربية كالأصول الإحسائية أو العراقية أو البحرانية ، واعتباره أي تحركا لهم هو بمثابة جزء من مؤامرة ، وللتمثيل على شدة الخوف الذي يسببه هذا الوهم ، سوف أورد عدة نقاط أوردها التقرير على أنها تغلغل إيراني :
1-    إن للشيعة عقارات في الكويت .
2-     ومنها أن مجموعة من تجار الشيعة أقاموا بتأسيس شركة استثمارية ، وبالمناسبة هذه الشركة "العقيلة" وإن كانت مساهمة مقفلة إلا إن هناك تجار سنة ساهموا فيها منذ التأسيس .
3-     وجود شيعة ناشطين في جمعيات النفع العام والهلال الأحمر الكويتي .
4-     هناك شيعة لهم مناصب قيادية في الدولة .
5-     هناك شيعة مقربين من أفراد في الأسرة الحاكمة .
إلى آخر هذه الترهات ، ولم يذكر إن الشيعة يشكلون تقريبا 30% أو أكثر من مواطني دولة الكويت ، وهم لا يمتلكون هذه النسبة من عقاراتها ولا يشغلون بحدود هذه النسبة من المناصب القيادية فيها .
إن مثل هذه القناة من قنوات التخويف والترهيب وزرع الفتنة وشقاق في جسد الأمة الإسلامية بما تحمله من أطروحات تدعو إلى التمييز العنصري والطائفي ، تتحمل قسم من مسئوليتها الدول التي تبث منها ، كذلك "مصر" كونها تتحكم بالقمر الصناعي ، فيجب على هذه الدول أن تقوم بدورها في وأدْ الفتنة ، أو أن تتقبل الرد عليها وعليهم بنفس المستوى والأسلوب ، وأن تسمح بالهجوم المضاد بهذه الحدة وهذه الضحالة من المعلومات وعدم المصداقية وافتراء الأكاذيب ، وإلا كانت هي نفسها ممارسة للتمييز الطائفي .

إن الكثيرين سواء على مستوى رجال الدين السنة أو حتى السلف الوهابية ، وبعض الحكومات يركنون إلي صمت الشيعة العام ، كما يركنون إلى حكمة المرجعيات الشيعية بضبط نفسها وضبط الشيعة والتدخل في الوقت المناسب ووقف هياج الشارع ، ولكن تكثيف الهجوم والمتطرف واستمراره يمكن أن يخرج المقابل من  صمته ، وهذا احتمال قوي جدا على المدى المنظور .
وما ياسر الحبيب إلا مثال متطرف في الرد على التطرف الوهابية ضد الشيعة ، ولكنه لم يستخدم المفتاح المناسب لاستثارة الشيعة وكسب تعاطفهم وودهم ، بل كان يحمل أطروحات تخالف عقائد الشيعة ، وبأسلوب غير مقبول في الأوساط الشيعية ، إضافة لاستعدائه الشيعة أنفسهم بالتطاول على بعض المراجع .
فماذا لو أتى غيره وحمل لواء الرد المتطرف على الوهابية وهو عارف بالمفاتيح المحركة للشيعة وقادر على استخدامها بكفاءة وفاعلية ، مع هذا الهجوم الوهابي المتصاعد ضد الشيعة ، بحيث يجد الأرضية النفسية المهيأة لقبول التطرف ، فما المتوقع وقوعه ؟
فإلى أمد قريب لم يشعر عموم الشيعة بالاستعداء السني لهم ، وإن شعروا بوجود عداء شديد ينبع من الحركات الوهابية ، ولا ينشغل هماً بالرد على الحركة الوهابية إلا بعض الشيعة الذين يجلسون على نقاط تماس مع الوهابية كما أشرنا ، ولكن مع انتشار بعض أفكار الوهابية بين السنة ، بدأت تظهر حالة من الخلط عند كثير من السنة بل يكاد كثير منهم أن يصدق هؤلاء ، وينساق إلى اتخاذ مواقف متوافقة معهم .
ومع حالة الاصطفاف الطائفي ضد المطالب الشعبية في البحرين على اعتبار إن الغالبية من الطائفة الشيعية ، بدأ أغلبية الشيعة خارج البحرين يشعرون بشيء من الاضطهاد والتحريض ضدهم ، وإن كان الجو العام الشيعي يحاول عذر أغلب السنة حيث تم التلبيس عليهم من الحكومات ومن الوهابية ، ولكن الأثر بالتأكيد في القلوب ومازال يكبر مع التمييز الواضح بين ما يقع في البحرين وما يقع في سوريا ، فالعداء في البحرين للشعب لأنهم شيعة والوقوف مع الشعب السوري لأنهم سنة ضد من يدعم حزب الله ، واشتدت أحداث اليمن لتزيد الطين بله ، فلم يقف عموم سنة الخليج مع الشعب اليمني كما وقفوا مع الشعب السوري ، فتأكد إن سبب الوقوف في صف الشعب السوري ليس حبا فيه ، ولا لكونه ذو أغلبية سنية ، بل بغضا بالنظام ذو العلاقة الإستراتيجية مع حزب الله الشيعي وإيران الشيعية .
فشرعت الأجواء تتهيأ أسرع مما كنا نظن سابقاً لاستقبال حالة عداء طائفي متطرف معلن ، مما سوف يجر المنطقة إلى حرب طائفية ، باتت بوادرها ظاهرة .
ومما يدل على ذلك ، نسبة أتباع دعاة الطائفية بالأخص الوهابية ، عن دعاة التهدئة ، بل حتى إن بعض الأخوة ذوي الفكر السلفي يتعرضون للشتم والتطاول متى ما خالفوا الأجواء الطائفية السائدة ووقفوا مع الحق الشيعي ، وكذلك فقد بات أقوى ما يمكن أن يحرك الرأي العام الشيعي اليوم هو الوازع الطائفي ، ومن يعرف الشيعة فهو يعرف إن جمعهم على أمر عام معين صعب جدا وبالأخص إذا أخذ طابع الاستعجال ، أما بعد الأحداث الأخيرة في البحرين بدأ الشيعة يلتفون حول بعضهم في القضايا التي تخص الطائفة عامة ، وتزايد عدد المواضيع التي ترقى لهذه العمومية وتحوز الاهتمام العام ، وهذا ما يظهر أيضا شعورهم بخطر يواجه الجميع ، مما يعني إن الأرضية مهيأة لإيجاد حالة من التطرف الطائفي الخطر .

نزول الشيعة للشارع
البعض يظن أن الشيعة يجبنون المواجهة في الشارع ، ومن يظن هذا الظن واهم جدا ، المسألة تكمن في نقطة التحرك ومن المحرك ، فإلى الآن الشيعة تحت سيطرة المراجع في القضايا المتعلقة بالجهاد والدماء حتى من "فسقتهم" ، فهذه الحدود صعب أن يصلوا إليها فضلاً عن تخطيها ، ولعل هذا أحد أسباب استمرار سلمية الثورة البحرينية رغم ما تواجهه من قمع وعنف شديد ، وبالمقابل يصعب أن يتحرك علماء الشيعة لإصدار أمر بالدخول في حرب أو إعلان الجهاد الشرعي، ويكفي لبيان مدى صعوبة خروج حكم شرعي بالجهاد ، إنه وخلال ثمان سنوات من الحرب الإيرانية العراقية ووصول الأمر في إيران وبالأخص في بدايات ونهايات الحرب إلى حالات حرجة جدا لم يصدر حكم بإعلان الجهاد الشرعي ، وإن كانت هناك تعبئة دفاعية عالية جدا .
ولكننا نتوقع انفلات الأمر من يد العلماء ، وأن يبدأ الشباب المتحمس بإعلان العصيان على المرجعية واتخاذ قرار القتال منفردا ، وهذا ما نتوقعه في البحرين إن استمر الوضع على حاله ، ولعل الميزة التي أخرت ظهور حركات "مقاومة" إضافة إلى طبيعة شعب البحرين الهادئة ، سيطرة الأجواء المتدينة على القرى البحرانية .
كما علينا أن لا نغفل بعد الضغط الطائفي ضد الشيعة في البحرين لأنهم شيعة ، وتعميم العداء على الشيعة ، محاولة بعض الشباب الإيراني الشيعي أن يعد قوائم (بالاستشهاديين) وأذكر أن العدد تجاوز الألف شخص من الذين سجلوا بياناتهم عبر الإنترنت ، كما إن هناك من حاول التسلسل منهم عبر البحر للبحرين لولا تدخل السلطات الإيرانية .

القدرة على ممارسة العنف .
العنف المسلح أسهل من العنف الجسدي المباشر ، وهذا ما نخشاه ، فشعوب المنطقة قابلة للشحن باتجاه العنف بسهولة ، وأبرز مثال على ذلك التلبية السنية السريعة لطلب النائب البحريني السابق الشيخ محمد خالد ، حين طالب البحرينيين السنة بحمل الأسلحة والاستعداد للمواجهة ، فرأينا صور المئات إن لم يكن الآلاف من الذين لبوا دعوته ، وشكلوا المجموعات المسلحة التي ظهر بعض أفرادها بأسلحة نارية ، كما رأينا صورهم في جامعة البحرين وفي أماكن أخرى .
ولنتمكن من قراءة المستقبل لاحتمالية الحرب الطائفية المسلحة لا بد أن نقسم المناطق ، فالدول التماس الخطر بين الشيعة والسنة هي : باكستان والعراق ولبنان والكويت وإيران والبحرين والسعودية .
 فباكستان فيها عمليات طائفية مستمرة ، وارتفاع الوتيرة وارد جدا ، وبالأخص إن باكستان لها حدود مع أفغانستان وإيران وهذه الحدود تعتبر المأمن لجماعات طالبان ، ولعل أغلب هذه الخطوط مخترقة منهم ، كما إن الوجود الشيعي قوي في المنطقة والقدرة عالية على القتال بين كل الأطراف ، مما يوحي ببوادر حرب حقيقة وبالأخص إن تدخل الجانب الإيراني لتزويد الشيعة بما يساعدهم على هذا القتال .
والعراق ساحة حرب مستعرة ، وهناك خلايا من جميع الأطراف ، وأبو درع مثال سابق على انفلات الجماعات الشيعية ، والبلد ممتلئ بالسلاح والخبرة العسكرية ، وروح التطرف الطائفي منتشرة بين الشيعة بسبب التفجيرات المتلاحقة خلال السنوات الماضية ، وكذلك منتشرة بين السنة لأسباب عدة منها التغذية الخارجية .
وأما لبنان فتحكمه القوة الاستثنائية لحزب الله وتنظيمه والقدرة العالية لضبط النفس ، فيصعب تهور أي طرف وإن وجد السلاح ضد الشيعة الذين يمكن أن ينجروا لحرب طائفية ، وفي حال اشتعال حرب طائفية هناك فهي محسومة قبل قيامها .
وأما الخليج البحرين والكويت والسعودية ، فهنا الضغط الأعلى والرؤية الأكثر تشويشاً ، والرهان بخضوع أحد الأطراف أو سكوته صعب ، فالشيعة يمكن أن ينفلتوا من التقييد الشرعي ، ويمكن أن يشكلوا خلايا عسكرية مستقلة وفعالة ، ومثال حزب الله ليس بفريد فكما إن حزب الله تشكل في ظروف صعبة كذلك غيره يمكن أن يتشكل ، ولا نغفل أن الخلفية الفكرية الشيعية واحدة ، وبالأخص إن مثال حزب الله ماثل أمام الجميع يمكن أن يحتذى به ، إلا إنه لا ضمان على انضباط أي جماعات مسلحة أخرى يمكن أن تنشأ في المنقطة .
وكذلك للوهابية حركات متطرفة فكريا كان لها سوابق في المنطقة كمخطط تفجير الحسينيات في الكويت سنة 2005م والذي كشفته السلطات الأمنية قبل وقوعه بأيام ، كما إن لهم إعلاما حربيا يتبع القاعدة وطالبان ويوليه متصفحيهم على شبكة الانترنت اهتماما خاصاً ، ودعواتهم الحماسية ((للجهاد ضد الشيعة)) منتشرة ، وقد هيئت الأجواء النفسية المناسبة للولوج في مستنقع الحرب الطائفية ، إضافة لوجود تنظيماتهم الفعلية ومعسكراتهم التدريبية وهي التي تدرب وترسل المقاتلين للعراق ، وفي سياق التسلح أتذكر وفي بداية اشتعال أحداث البحرين اطلعت على منتدى "انترنت" كويتي ذو شعبية عالية عند الحركات السلفية والقبلية ، وقرأت حينها حوارا مفصلا حول ارتفاع جنوني لأسعار الأسلحة النارية وبالأخص "الكلاشنكوف" حيث ذكر أحدهم وأكد الكثيرين منهم قد وصل سعر السلاح الواحد إلى ألف دينار كويتي أي ما يعادل 3500 دولار أمريكي ويرتفع سعره إذا كانت في حالة جيدة ، وهذا ما لا يقل عن خمس أضعاف سعره المعتاد ، وادعوا حينها إن سبب بحثهم واقتنائهم لهذا السلاح هو الخطر الشيعي الذي يجب أن يواجه من قبلهم ! .

دول الجوار وخطر التسليح
ومن النقاط الخطرة التي ستعزز قيام الحروب في بعض الدول هي التدخلات الخارجية ، والتي يحتمل أن تقوم بها حتى الدول الصديقة إذ ما وقعت حرب طائفية فعلية ، فكل الدول تريد أن تحافظ على استقرارها ، كما تريد أن ترهب شعوبها ، فمرة ترهبهم بالقمع والقتل والتنكيل في السجون ، وأخرى ترهبهم بالاعتبار بما يحدث للغير وإن كان جاراً ، فتُخرج مشكلتها من أراضيها وتضعها في دولة أخرى ، ففي منطق السياسة إن قيل الجار قبل الدار ، فالمقصود مصلحة الدار قبل مصلحة الجار ، وإن استلزمت مصلحة الدار حرق الجار فهذا ما سيكون ، وهذا ما نتوقعه في حال نشوء حرب طائفية في أحدى دول المنطقة ، فإيران ستدعم الشيعة والسعودية ستدعم السنة ، سواء قامتا بذلك بشكل علني أو غير علني ، مباشر أو غير مباشر  بسماحهم للجماعات المتطرفة بعبور الحدود وتهريب الأسلحة أو الأموال .
وإلى شيء من هذا أشار الأستاذ هيكل في مقابلته التي أشرنا إليها آنفاً حيث قال : (( السعودية كانت دائماً باستمرار تنظر الأمور من بعيد وتقاتل معاركها عن طريق الآخرين يعني باليمنيين الملكيين في اليمن مثلاً مش عارف بالتحالف في العراق ضد العراق ضد إيران بتستعمل العراق برضو إلى آخره لكن لأول مرة المملكة أصبحت مشتبكة في قوتها وهذا تطور في منتهى الأهمية وعلى كل الناس أن يتنبهوا إلى أن الخليج وشبه الجزيرة العربية ليس في معزل عن كل ما يجري في العالم العربي.. ))
ثم لنا بما وقع في العراق أجلى مثال ، فبعض دول الجوار العراقي عرفت في فترات من يحرض شبابها على الذهاب للقيام بعمليات عسكرية  في العراق، ولكنها قلما أوقفت أحداً أو منعت أحداً ، فالأمر بالنسبة لهم نوع من التخلص من نفاياتهم الضارة ، فمن يريد أن يمارس تطرفه ليخرج من البلاد دون شوشرة وليقاتل ويَقتل ويُقتل في العراق.
وكذلك الدعم المكثف للمعارضة الليبية بخلاف غيرها ، فمن جهة القذافي غير مرغوب به من بعض القادة العرب ، ومن جهة أخرى لتخاف شعوبهم من تكرر المجازر التي وقعت في ليبيا  ، ولتغطي أخبار ليبيا أي حراك يقع في دولهم ، بل وشغل أبناء دولهم بمشاكل ليبيا أو سوريا عن مشاكلهم ، وإلا كيف نفسر حرمة الخروج على مبارك ودعم الخروج على القذافي ؟

[ امتداد الحرب الطائفية على مستوى الدول ]
الحرب الطائفية الدولية
إن البعض وبالأخص من التيارات السلفية المتطرفة في الخليج يستسهل دخول الحرب الطائفية ويدفع لها لتنشب بين الدول ، ظناً خاطئاً منه إنها سوف تلبي مطامحه في زوال الشيعة وإيران ، ويعتمد في ذلك وبشكل رئيسي على الدعم الصهيوني والأمريكي ، واستثمار عداءهم ضد الشيعة وإيران كما بينا وكما يريدون هم ، وأيضا على معاونة عدد من دول المنطقة وبالأخص مصر وتركيا وباكستان والأردن والمغرب .
الطرف الإيراني
وهذا الظن فاسد جملة وتفصيلا ومن عدة جهات ، فإيران اليوم ليست إيران 1980م ولا 1988م ، وليست مبالغة إن قلنا إن إيران اليوم حصن منيع والأكثر خطورة على مستوى العالم ، ولنفهم خطورتها ومنعتها لا بد أن نعي قوة تسليحها ، وقد صدرت العديد من التقارير عن التسليح الإيراني ، ومازالت إيران تظهر بعض من إنجازاتها العسكرية بين فينة وأخرى لتدلل على قوتها ، ومن أفضل التقارير البرنامج الذي أعدته قناة المنار سنة 2008 "القدرات العسكرية الإيرانية" الذي وبحسب التقرير إنه يصف ما بين 10-20% من القوة الإيرانية ، وأبرز ما يلفت النظر في هذا البرنامج ، إن أغلب الأسلحة تقوم إيران بتطويرها وثم البدء بإنتاجها بشكل وافر ، إضافة إلى قلة المعلومات الاستخبارية الأمريكية ، ومن أبرز ما جاء في هذا التقرير :
1-    مجموعة صواريخ شهاب 3-4-5-6 ، فإن كان شهاب 3 المطور سبب قلقاً لأنه يصل لمدى 2000 كيلو ، فإن شهاب 6 يقدر مداه بين 5000 و 10000 كيلو متر ، وعلى أي حال في إن العمق الأوربي فضلا عن العربي في متناولها ، وكما ذكر في التقرير فإن المعلومات الأمريكية كانت تقول إن إيران قادرة على تصنيع 50 صاروخ في السنة ، إلا إن الأدميرال شمخاني قال إن تصنيعه يقارب تصنيع سيارة البيكان في إيران ، وإيران كانت تصنع 120,000 سيارة بيكان سنوياً .
2-    ومما ورد أيضا إن هذا الصاروخ "شهاب" مرتبط بقمر التجسس الإيراني حيث يمكن أن يوجه منه .
3-    كما إن إيران أطلقت أكثر من صاروخ للفضاء وصنعة أجزاء صواريخها وأقمارها الصناعية بأيدي وتقنيات إيرانية 100% ، وهذا ما يعني إنها تدار بمنظومة مستقلة عن المنظومات المعروفة لدى غيرها .
4-    كما إن إيران صنعت الطائرة " الصاعقة " المشابه بالشكل والفائقة بالمواصفات للطائرة الأمريكية "F18" بأيدي وخبرة إيرانية 100% ، وتبلغ سرعتها ضعف سرعة الصوت ، إضافة إلى تصنيعه للطائرة "شفق" ، إضافة لصناعة الحرس الثوري الإيراني لمروحيات هجومية ، كما إن قائد الجيش الإيراني "عطاء الله صالحي" أعلن عن اكتفاء إيران ذاتياً من الطائرات الحربية .
5-    كما عرض التقرير مجموعة من الصواريخ ذات التطوير والصناعة الإيرانية وقسم منها دخل في مرحلة الإنتاج الوافر ، كذلك تمتلك مجموعة من القنابل الذكية والموجهة والتي دخلت مرحلة الإنتاج الوافر .
6-    كما إنها طورت بعض النظم الدفاعية ضد الطائرات والصواريخ ، وتصنعها في إيران بشكل وافر ، كما أنها طورت نظام " تور ام 1 " ليصل مداه إلى 20 كيلو متر ، وعرض التقرير إن إيران كان ينبغي أن تحصل على منظومة "S300" الدفاعية من روسيا  وهي متفوقة على أنظمة الباتريوت، ولكن بسبب الضغوط الدولية ألغيت الصفقة ، مع أن التقرير عرض هذه المنظومة وكأنها في إيران ، وهناك بعض التقارير تشير أخبار لوجود هذا النظام فعلاً في إيران ، كما إنها تمتلك مجموعة أخرى من الأنظمة الدفاعية .
7-    وأما عن القوة البحرية فإن إيران حصلت على ثلاث غواصات روسية كبرى تعمل بالديزل ، وقامت بتصنيع الغواصات بمختلف الأحجام والمستويات .
8-    وكذلك تقوم بصناعة البوارج والفرقاطات والزوارق وكلها تصنع في إيران .
9-    ولها مجموعة من الصواريخ البحرية التي طورت وتصنع في إيران ومنها الحوت الذي يعد أسرع صاروخ بحري في العالم تحت الماء وهو يفوق مثيلاته من الطوربيدات بأربع أضعاف، والثاقب ، والنور الذي يصل مداه إلى 300 كيلو متر ويمكن أن يركب على المروحيات ، ويقول علي فدوي نائب قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني ، إن العدو لن يعرف مدى فاعلية هذا الصاروخ إلا عند استخدامنا له في المعركة عندها سيشاهد أثاره مباشرة وربما لن يشعر بها لأنه لن يكون موجودا حينها ، كما أشار إلى إنه يصنع في إيران وبكمياتٍ كبيرة جداً .
وبملاحظة إن هذه المعلومات تعتبر قديمة إلى حد ما فهي منشورة منذ سنة 2008م ، ونشرها كان متعمدا من الحكومة الإيرانية وليست معلومات استخبارية ما يعني إننا لا نعرف حقيقة الترسانة العسكرية الإيرانية لا كما ولا كيفا ، ومعطياتنا العامة تدلنا على تسلح متطور وكثيف وانتشار واسع .
وتشغيل مفاعل بوشهر النووي والإعلان قبل تشغيله عن النية لذلك ، يعطينا دلالة واضحة إن إيران في هذه الفترة كانت مستعدة لخوض حرب ودافعتها في أتم وأعلى جاهزية ، كما يعطينا دلالة واضحة على إن أمريكا والكيان الصهيوني غير واثقين من قدرتهم على شن هجمة لتدميره كما صرحت حكومة العدو سابقاً ، وأما بعد تشغيل المفاعل فضربه شبه مستحيل حيث سيؤثر على المنطقة كلها وسلامة سكانها والعاملين فيها مما يعني تأثيره المباشر على إمدادات النفط .
ويضاف إلى إيران في حال اشتعال حرب طائفية في المنطقة العراق ذات الأغلبية والحكومة الشيعية ، ولا ننسى إن أغلب الشعب العراقي قد تلقى تدريبا عسكريا سابقا في زمن صدام .
كما يضاف إلى ذلك إن أي حرب طائفية تنشب في المنطقة ستكون بالنسبة لإيران والعراق وعموم الشيعة حرب وجود ، أكون أو لا أكون ، ميتا إما في ساحة المعركة أو في بيتي أو في مسجدي ، وهذا بناءً على الكثير من التصريحات وفتاوى التكفير التي يفهم منها نية الإبادة الجماعية ضد الشيعة .

الجهة الأخرى الجانب السلفي "الوهابية"
بات من الواضح إن الداعين للحرب الطائفية يعتمدون على القيادة السعودية ، وبنظرة سريعة للأحداث كمحاولة ضم الأردن والمغرب ومصر لدول مجلس التعاون الخليجي مع إنهم دول غير خليجية ، وعدم عرض الضم على العراق ، والتوقف في شأن اليمن ، كلها مؤشرات توحي بل تؤكد إن هناك فكرة لإقامة اصطفاف سني عربي في مقابل الدول الشيعية في المنطقة ، والمغازلات لباكستان وتركيا ، توحي بأن هناك نية لعقد اتفاقية دفاع مشتركة ضد إيران والعراق تحديدا.
وبالشكل الذي نراه لنية ضم الدول الثلاث لمجلس التعاون والذي لا يعطي مواطنيهم حقوق مواطني الدول الست كعدم الحاجة للفيزا أو الإقامة وحق التملك في بعض الدول ، ولكن للاستفادة العسكرية منهم مقابل إفادتهم مادياً ، فيمكن أن يسمى المجلس بمجلس التعاون الخليجي ومرتزقة (البترودولار) .
وأيضا اشتراك هذه الدول دفعة واحدة وبكامل قوتها في حرب طائفية ضد إيران والعراق لا يعدو كونه وهم ، وذلك لأسباب مختلفة منها سياسي والعقائدي وطبيعة التركيبات سكانية ، إن قلنا إن السعودية والكيان الصهيوني بضميمة أمريكا سيتكفلون بالتكاليف المادية .
فهكذا حرب طائفية لا تهم كل دول المنطقة ولا كل شعوبها ولا كل علماء الدين السنة فيها ، فإن كان الخلاف بين الشيعة والسنة على الصحابة ، فالخلاف بين السنة والسلفية الوهابية على التوحيد ، فكما يُتهم الشيعة بالشرك لزيارتهم قبور الأولياء والصالحين وأهل البيت كذلك هم السنة وعلماءهم ، فالخلاف السني الوهابي من هذه الجهة الداعية للتكفير والقتل ، أشد من الخلاف السني الشيعي ، ولا يغيب عن أذهاننا تفجيرات الوهابية في محافل الصوفية في باكستان وهدمهم للأضرحة في مصر ، وما كاد يحدث بعد ذلك .
وأما القوى العسكرية السعودية فهي ليست ذات جدوى حقيقة مهما دفعت وصرفت ، فهي من جهة لم تخلوا من الفضائح ، ومن جهة أخرى فالعالم وبالأخص أمريكا قد ضمنوا لإسرائيل تفوقا عسكريا وتكنولوجياً في المنطقة ، وعليه فالأسلحة التي تصل للسعودية لن تكون بكامل قدرتها العسكرية ، مع إن نفس الأسلحة عندما استخدمتها قوى العدو الصهيوني في حرب تموز لم تصمد أمام دفاعات حزب الله .
الدول المساندة الأكثر أهمية
إسرائيل :
أغلب الظن إن إسرائيل لن تدخل الحرب بشكل مباشر ، فهي كيان ضعيف ومخلخل ، وحزب الله في لبنان شوكة في حلقها ، وكانت تجربتها المخفقة في لبنان بالونة اختبار لما يمكن أن تشهده مع إيران ، إضافة إلى عدم وثوقها بالوقوف جنبا إلى جنب مع العرب في ساحة معركة واحدة ، وتهديد إيران لها بإطلاق 11000 صاروخ أول دقيقة باتجاهها قبل عدة سنوات ولعل العدد الآن تضاعف عدة مرات ، ولكنها بكل تأكيد ستدعم وبكل قوة بالمعلومات الاستخبارية المتوفرة لديها ، وبالسلاح ، والتقنية ، وبالاستشارات العسكرية ، إضافة لتسخيرها اللوبي الصهيوني في تشكيل جبهات ضغط ضد إيران وفي صالح الأطراف المقابلة لها .
أمريكا :
أمريكا الأكثر حماسة للحرب بعد الوهابية والأكثر ترددا ، فهي في مآزق اقتصادية ، وشراء السلاح والتخفيضات في أسعار النفط سوف يعود عليها بالنفع المباشر والفوري ، ولكن احتمال انقطاع إمدادات النفط وفقدانها لمراكزها في المنطقة يؤرقها .
وبدخولها الحرب ستدعم بالتكنولوجيا ، والمعلومات ، والتكتيكات ، وبالضربات الجوية والصاروخية ، ولعلها حتى في قيادة الحرب ، ولكنها في حال قيام الحرب أو تصاعد احتمالها ، سوف تخلي الخليج العربي وخليج عمان من أي قطعة عسكرية لها خوفا من استهدافها الفوري ، وهذا ما سيضعف موقفها وموقف السعودية والدول التي ستشارك في الحرب ، إضافة إلى احتمال إخلاء قواعدها في دول الخليج بشكل جزئي أو كلي ، وذلك خوفا من التهديد الإيراني بضربها مباشرة في حال وقوع أي اعتداء .
تركيا :
وأما تركيا فهي الدولة التي تسعى لدخول الإتحاد الأوربي ، الدولة التي تتبنى العلمانية ، ولا تعترف بأي دين بشكل رسمي فضلا عن المذاهب .
وأما من حيث سكانها فهم تقريبا 72 مليون نسمة ، منهم ما بين 15 و 22 مليون منهم من الأكراد حسب (BBC) فيها 20 مليون كردي ، وفيهم أيضا 15% بين الشيعة والعلويين أي ما يوازي 10 مليون تقريبا , والأكراد يمكن أن يسببون عائقاً بل هم عائق ضخم وصلب في وجه هكذا حرب فمن جهة تربطهم مع شيعة العراق علاقة طيبة جدا لا يريدون خسارتها ، ومن جهة أخرى يحتمل أن يقف الأكراد مع الجانب الشيعي لإنشاء دولتهم المستقلة أو حكمهم الذاتي ، وفي حال قيام حرب وجود فلا يستبعد أن تمدهم إيران بالسلاح اللازم .
فلا يعقل أن تغامر تركيا بمكانتها الدولية ، وبعلمانية دولتها وتدخل في نزاع ديني طائفي ، أو أن تتنازل عن وحدة شعبها وأراضيها من أجل حرب لن تعود بالنفع القومي عليها بأي شكل من الأشكال .
إضافة إلى وجود أهداف فيها يحق لإيران ضربها في حال دخول أمريكا على خط المواجهة (الدرع الصاروخي الأمريكي) 
مصر :
ومصر مع ضبابية الأوضاع فيها ، إلا إن اشتراكها بشكل كلي في هذا الحرب غير وارد ، فهذه الحرب ليست حربها ، ولا ما تسعى إليه مصر بعد الثورة من الاستقرار والثبات الداخلي وإقامة علاقات جيدة مع دول المنطقة ، وبالأخص إن هذه الحرب ستعتبر حرب مع إسرائيل ضد المقاومة وفي صالح الوهابية ، والشعب المصري بعمومه وبحد أدنى أغلب مثقفيه متناقضين مع هذه الأهداف ، فدخول هذه الحرب تعني إعلان استقرار كامل مع إسرائيل ، كما تعني انتشار للوهابية ، وانتهاء الأزهر الشريف ، ولا ننسى إن الشعب المصري قد تظاهر عند سفارة الكيان الصهيوني وأنزل علمها ، كما تظاهر عند السفارة السعودية وهتف ضدها وضد ملكها، وطالب بإغلاق السفارتين .
ومع هذا يمكن أن يكون هناك اشتراك جزئي ولو من باب الإمدادات العسكرية من سلاح وخبرة وتقنية وتدريب ، ذلك حفاظ على بعض المصالح الإستراتيجية المصرية وبالأخص دورها القومي ، وإن كنا نستبعد انطلاء حيلة الربط الفارسي الشيعي على القوميين المقاومين بطبيعة فكرهم للكيان الصهيوني والمعادين وفق أيديولوجياتهم للملكية وبالأخص السعودية .
الأردن :
بحسب الظواهر واندفاع الأردن نحو مجلس التعاون وإرسالها لدركها كمرتزقة في البحرين ، يبدو أنها على أتم الاستعداد لخوض هذه الحرب بشكل مباشر ، ولعلها الدولة الوحيدة في المنطقة التي يمكن أن تقف مع السعودية بشكل علني وفعال ، مسخرة لذلك قدرات جنودها العسكرية واستخباراتها المتميزة .
باكستان :
مع امتلاك باكستان لقوة عسكرية استثنائية في المنطقة تتميز بالتسليح النووي ، وكونها حليف استراتيجي لأمريكا ، إلا إن لها عداء وخصومة شديدة مع الهند ترعبها ، ولها عداء مع الحركات الوهابية وتؤرقها ، إضافة إلى إن الحرب الطائفية ضد الشيعة غير متوائمة مع تركيبتها ، فالشيعة وإن لم يشكلوا الأغلبية فيها إلا إنه ومنذ إنشاء محمد علي جناح للدولة باكستان كان الشيعة على رأس المناصب المهمة فيها وكانوا حكامها في أغلب الأوقات ، وهذه الحرب التي ستعد يد للوهابية ضد الشيعة ستؤثر سلبا على سنتها الصوفية الذين يعيشون نفس مشاكل الشيعة في باكستان ، لذلك فيصعب أن تتدخل في الحرب ، وإن كنا نشك أن تسمح للأمريكان أن يستخدموا أراضيها لإطلاق صواريخ أو لإقلاع طائرات لتوجيه ضربات ضد إيران .
فتيل الحرب المفقود
مع اشتداد الاحتقان الطائفي إلا إنه لا يوجد من يتجرأ لإشعال الحرب ، وحتى إيران لو وجدت نفسها قادرة عسكريا ، ونشبت حرب أهلية في بعض الدول ، إلا إن إيران الإسلامية بضوابطها يصعب أن تنجر إليها ، وكذلك في ظل الربط الشيعي الفارسي الموجود على لسان الوهابية ولغة الاستفزاز التي يستعملونها ، ومع نية بعض قنوات التأجيج الطائفي "كوصال" أن تفتح قنوات فارسية ، يمكن أن تشعل القوميين بشكل متطرف إلا إنها لن تجر إيران تحت هذا النظام الإسلامي إلى حرب ، نعم لو سقط النظام في ظل وجود هذه القدرات الإيرانية وهذا الاستفزاز الطائفي والقومي ضد الشيعة والإيرانيين فإن لم تدخل إيران في حرب مباشرة مع الخليج ، فإننا سنعتقد حينها إنها تسعى لامتلاك السلاح النووي لخوض الحرب .
فغير المتدينين في إيران أخطر من المتدين ، ولتدليل على ذلك ، لنتصور وقوع هذا الشحن الطائفي والقومي ضد الإيراني في زمان الشاه محمد رضا بهلوي ، وقوع أحداث البحرين ودخول درع الجزيرة ، ما الذي كان يمكن أن يحدث ، شخصيا أتوقع تدخله العسكري الفوري والسعي لإعادة تقسيم المنطقة طائفيا .
وبغض النظر عن الضوابط التي تحكم إيران ، فهناك وجهات نظر في ما يتعلق بتدخل إيران العسكري في المنطقة ، الأولى تذهب إلى أن إيران تريد احتلال المنطقة مستفيدة من الوجود الشيعي ، والأخرى التي نتبناها من أن إيران تخاف منا أكثر مما نخاف منها ، وأي حركة عسكرية عدائية منها سوف تضرها أكثر مما تنفعها ، وإلى ذلك أشار الدكتور عبيد الوسمي في مقابلة له مع قناة الوطن الكويت في شهر ابريل 2011 م ، ثم إن دول المنطقة منافس اقتصادية وثقافية لإيران في ظل حصار دولي صهيوني أمريكي ضدها .
والآن وحتى مع التحريض والتصعيد الأمريكي الظاهر في دعوى محاولة اغتيال السفير السعودي في أمريكا ، والتصعيد والتهديد السعودي لإيران ، ومع الرد والتهديد الاستهزائي الاستفزازي الذي أطلقه عضو البرلمان الإيراني عضو لجنة الأمن القومي "محمد كريم عابدي" "أن القوات العسكرية الإيرانية قادرة، في حال عزمت طهران على اتخاذ أي خطوة ضد السعودية، على احتلال أراضي المملكة بكل يسر"، إلا إن السعودية أيضا لن تتجرأ أن تبادر لأي عمل عسكري ضد إيران وحتى لو تم الاعتداء العسكري الجزئي ضدها ما لم تضمن من يدافع عنها من الدول الكبرى أو الصديقة .
وثم فمواجهة إيران ليس بالأمر اليسير حيث تشير بعض التقارير إن أي ضربة توجه إلى إيران يجب أن تتضمن عشرة ألاف ضربة ناجحة تشمل الرادارات والدفاعات والمواقع والمطارات وخلافه خلال أول ساعة ، وهذا يحتاج لحشد عسكري استثنائي ، وفي نفس الوقت دفاعات استثنائية في المنطقة لتصد الرد الإيراني ، وإن لم تنجح هذه الضربة فإن رد إيران سيكون قاسي وموجع أو مدمر لأي جيش يعاديها في المنطقة ، إلا إن استعمل ضدها السلاح النووي وهذه أيضا مخاطرة لن يتجرأ أحد على خوضها خوفا من استعمال إيران لأسلحة غير تقليدية .
وعلى ما مر فإن كانت الأرضية النفسية مهيأة بالكامل لهذه الحرب ، إلا إنه لا يوجد من يتجرأ على المبادرة لإشعال فتيلها ، فهي كالحرب الباردة الكل يستعد لها ولكن الكل يخشاها.

نواتج الحرب الدول الطائفية في المنطقة :
ستختلف هذه الحرب إن قامت عن غيرها بعدم وجود هدف للاستفادة المادية المباشرة كالنفط أو امتلاك الأرض ، ولكنها حرب كما أشرنا أكون أو لا أكون ، وفي ظل من يريد إبادة الشيعة ستضرب الدول الشيعية بكل قوة ، وهذا ما سيخلف أثاراً خطيرة ومدمرة على أطراف النزاع .
أولا : الأثر الإنساني .
بطبيعة هكذا حرب يقصد منها الإبادة والرد على الإبادة ، فالمتوقع هو تردي إنساني شامل ، فالقتل سيكون على الهوية لا لذنب سوى الانتماء لجماعة دينية أخرى ، كما ستستعر دعاوي التهجير ، وسوف تمنع الطبابة بل وتستغل المستشفيات للاعتقالات أو التعذيب ..ألخ ، كما حدث في البحرين بعد أن احتلت قوات الجيش "والجيش السعودي" كما قيل مستشفى السلمانية ، وقد عرضت قناة (CNN) ضمن تقرير لها بعض المصابين بطلقات (الشوزن) لا يستطيعون الذهاب للمستشفى خوفا من الاعتقال ، فكأنما الإصابة هي علامة ليتم اعتقال المصابين فيما بعد ، والظاهر إن هذه الأعمال اللا إنسانية كانت مقبولة عند دول المنطقة الخليجية باستثناء الكويت التي بعث أميرها وفداً طبياً متكاملاً ، ولكن الحكومة البحرينية منعته من دخول أراضيها ، فلا مانع على ما يظهر من النزول لهذا المستوى اللا إنساني في كثير من دول المنطقة .
ثانيا : الأثر الاقتصادي
حوض الخليج له أهمية اقتصادية توازي أو تفوق أهمية الجيوسياسية وعلى الأقل في الوقت الحالي ، فـ(40%) من إمدادات العالم النفطية تمر فيه ، فبمجرد قيام أي حالة اضطراب عسكري وبالأخص إن قامت حرب شاملة فهذه الإمدادات ستتوقف بشكل كلي .
احتمال إصابة الحقول النفطية والمصافي السعودية والإيرانية على الخليج مما يعطلها بشكل جزئي أو كالي مما سيعاق تدفق النفط لسنوات ، إضافة إلى تكلفة إعادة اعمراها وتشغيلها ، وسوف تزداد الخسائر بشكل كبير جدا إذا ما أبدت القوات السعودية قدرات هجومية عالية ولو بشكل محدود .
وإذا ما أديرت الحرب في الضفة المقابلة لإيران بعقلية صهيونية سوف تتكبد إيران الكثير من الخسائر في بناها التحتية ، كما فعلت دولة العدو في لبنان .
ثالثا : الآثار النووية .
تميزت الأسلحة الأمريكية في السنوات الأخيرة بارتفاع نسبة اليورانيم المنضب المستخدمة فيها ، كما توسعت أمريكا في استخدام هذه الأنواع من الأسلحة ، ولا يستبعد أن تستخدم أمريكا وإسرائيل ولو من خلال السعودية لهذه الأسلحة .
كما لا يوجد ضمان إن إيران لا تستعمل نفس هذه التقنية في أسلحتها ، فكل ما أفصحت عنه إيران هو عدم نيتها امتلاك "قنبلة نووية" لعدم إنسانيتها وعدم مشروعيتها ، وهذا لا يعني عدم استخدمها للتقنيات النووية العسكرية بوجوهٍ أخرى .
رابعا : تقسيم المنطقة طائفيا :
في حال تفوق إيران أو على الأقل عدم تحقيق أهداف التحالف المضاد ، ستتقسم المنطقة طائفيا إلى ثلاث محاور ، محور شيعي ، ومحور سني ، ومحور سلفي وهابي ، وهذه المحاور ستنعكس على الكيان السعودي.
خامسا : تآكل السعودية .
الضرر الأكبر من أي حرب سيقع على السعودية في حال نشوب حرب طائفية على صعيدين أهلي ودولي ، وهذا ما سيؤدي أولا انشقاق عسير ورجوعها لليمن وبالأخص إن نجحت الثورة اليمنية ، ثم انشقاق المنطقة الشرقية باحتمالين إما انضمامها لإحدى دول الخليج أو إقامة دولة جديدة في المنطقة ، وثالثا والأهم هو انشقاق الحجاز ذو الأغلبية السنية الصوفية ، وهذه المنطقة وأهلها ذوي امتدادات وقبول خاص في العالم الإسلامي والمس بهم ستكون له أثار وخيمة جدا ، وهم إما أن يقيموا دولة جديدة أو يتبعون اليمن إذا ما استقرت ولو بشكل مؤقت ، وتبقى سلطنة نجد كما هي ليمتد تواصلها مع الأردن ، وعلى أي حال فتقسم السعودية كفكرة مطروحة بقوة للحفاظ على استقرار المنطقة سواء قامت الحرب أو لم تقم ، ولا يوجد حل واقعي للحكومة السعودية في هذا الشأن إلا التقسيم الداخلي والرجوع لأخذ الشرعية من الشعب .



الحل
في ما سبق استعرضنا أوجه الاحتقان الطائفي الذي بدأ قيحه يسيل على الشرق الأوسط مع اندلاع ثورة البحرين ، كما استعرضنا خطورة الوضع وإلى أي مدى قد يصل .
وعلاج الحالة الطائفية في المنطقة صعب ، ولكن إن كنا قد وصلنا إلى تشخصيها واستطعنا إقناع أصحاب القرار بخطورتها ، فنكون قد وصلنا لنصف الحل ويبقى النصف الآخر من العلاج .
والعلاج بنظر بدوي تقصره المعلومات الاستخباراتية ، ينقسم إلى قسمين ، حل آني لتهدئة الوضع والتمهيد لحل دائم نرتجي أن يكون ناجعاً في تخفيف الحدة الطائفية لفتراتٍ طويلة نسبياً .
والحل الآني يكمن في ثلاث مواضيع أساسية ، أوضاع البحرين ، ودعاة الفتن ، وإيران.
أولا : البحرين
البحرين التي أظهرت شدة الاحتقان ووسعت دائرته وزادت حدته ، بيدها جزء كبير من الحل ، وينبغي أن يبدأ الحل منها وفيها وهو ليس بصعب ، ولكن يحتاج إلى جدية ومرونة وتنازلات من الأسرة المالكة ، ولا نتوقع أن يكون الحل عادل موافق للمواثيق الدولية 100% ، ولكن لا بد أن يصل الشعب بعد تضحياتها والتصعيد المتبادل إلى نتيجة .
نذكر جيدا أول شعار رفع في ثورة البحرين بعنوان "الشعب يريد إصلاح النظام" وكان الهتاف المصاحب له في أول يوم "تنحى يا خليفة" وخليفة هو رئيس الوزراء منذ استقلال البحرين عام 1971م وقبل الاستقلال كان أيضا هو المسئول عن نفس المنصب ، ولكن بعد الأحداث وبدء قتل المتظاهرين ثم معاودة الهجوم على الدوار في الثانية فجرا ، وقتل المتظاهرين بعد خطاب الملك الأول الذي اعتذر فيه عن القتل ، تطور الشعار إلى "الشعب يريد إسقاط النظام" ، ومع استمرار التصعيد من الحكومة تطور الشعار إلى أن نادى بعض المعارضين بـ "يسقط حمد" لاعتباره هو المسئول عن الدم المراق .
ولكن يبدو إن مطلب إسقاط الملك ليس بجدي ، فمن ينادون بإسقاطه يحاورون من ينادون بالملكية الدستورية بل يسرون على إثرهم ، وهو مطلب الجمعيات السياسية في البحرين ، وحتى الموالين للحكومة لا يرون جدية المعارضين في هذا المطلب ، فبنقل كثير من المعارضين إنهم حين كانوا ينادون " يسقط حمد " يرد عليهم الموالون بـ "الشعب يريد خليفة بن سلمان" ، فالخلاف الواقعي على رئيس الوزراء لا على الملك ، وإنما جُرّت رجل الملك للخلاف بعد خطاباته ووعوده التي لم تنفذ .
لذا على الملك أن يكون جاداً في الإصلاح والإسراع فيه ، ويمكن للنظام في البحرين أن يتخذ الخطوات التالية للحفاظ على استقرار البحرين والمنطقة بأسرها :
أولاً : عزل رئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الدفاع ، وتحويلهم للقضاء باعتبارهم مسئولين على الدماء التي أريقت .
ثانيا : إيقاف محاكمات الثوار السياسية وإلغاء كل ما ترتب عليها .
ثالثا : إخراج القوات العسكرية غير البحرينية من البحرين ، والاكتفاء بالبحرينيين ، وإن كان ولابد فإبقاء بعض المرتزقة على أن يتم تحويلهم من عسكريين إلى حراس مدنين غير مسلحين وبلا صلاحيات عسكرية .
رابعا : على النظام تقديم كبش فداء يحاسب على القتل ، فلا نتوقع أن يقام العدل إلى درجة محاسبة المسئول الحقيقي عن القتل والقمع والفصل التعسفي من الأعمال ، وأعمال التخريب التي قام به العسكر وغيرها من الجرائم .
خامسا : تقديم كل من دعا للتطرف والتسلح وقام بأعمال عنف من المواليين للحكومة لقضاء عادل ، ويحاكمون كالبقية المواطنين ممن ارتكب أعمال عنف .
سادسا : كما على النظام في البحرين أن يعلن عن إصلاحات جدية ويتبنى الملك مبادرة ولي العهد التي تضمنت ، فتح ملفات التجنيس السياسي ، رئيس وزراء منتخب ، مجلس نواب كامل الصلاحيات ، أي إلغاء مجلس الشورى المعين ، وتكون قرارات المجلس نافذة ، أو أن يتبنى وثيقة المنامة .
سابعا : كما يفضل أن يدعى لمجلس تأسيسي تحت إشراف دولي يستثنى منه المجنسين سياسيا من الترشح والتصويت ، لوضع دستور جديد للبلاد .
وأما الأسرة المالكة يمكن أن تحفظ وجودها لفترة بعيدة ، وذلك بتنفيذ النقاط السابقة أولاً حتى تعاود بناء جزء من ثقة الشعب المفقودة فيها ، وكذلك باستغلال نقطة أثارها بعض المعارضين الشيعة وإن كانت غير عادلة بنظري ، حيث تتلخص بأنهم لا يريدون تمثيلاً شيعيا عادلاً ، بل كانوا يفضلون أن ينص أي نظام جديد على أن للسنة نصف التمثيل النيابي في البحرين ، وهذه الفكرة تستلزم تقسيم الشعب طائفياً مما سيضعف حياد الدولة المدنية مستقبلاً .
وكذلك على المعارضين وغيرهم أثناء ممارسة حقهم بقول ما يريدون وطرح التصور الذي يرونه ، التأكيد على عدم نيتهم فرض آراءهم ، والتأكيد على إن شكل نظام الحكم يجب أن يكون حق مشترك للجميع تحدده صناديق الاقتراع ، على أن تكون نزيهة طبعاً ، وعليهم بجانب طرحهم لآرائهم وتطلعاتهم وما يتمنون ، التأكيد على الالتزام بقرار الشرعية الشعبية إذا ما قامت أياً كانت نتيجتها .


ثانيا : دعاة الفتن
على دول المنطقة إيقاف كل مظاهر الدعوة للفتن واستعداء الطرف الأخر ، وإيجاد تشريعات عاجلة جدا لردعهم ، ومن أبرز تلك المظاهر القنوات الفضائية ، وصفحات الإنترنت ، والبرامج الدينية التحريضية والخلافية ، وكذا بعض الخطباء .
على أن يكون المنع في هذه المرحلة حازم وشديد ولكن مؤقت إلا أن تتخذ التدابير الدائمة المناسبة .

ثالثاً : تحيد الفزاعة الإيرانية
كما على دول المنطقة إيجاد حل فعلي للفوبيا الإيرانية سواء عندها أو عند شعوبها وذلك بعقد اتفاقيات واضحة وصريحة وعلنية لا تحتوي على بنود سرية ، تتلخص بنقاط أساسية :
1-    ضمان عدم استخدام الأراضي والأجواء والسواحل غير الإيرانية للاعتداء على إيران بأي شكل وأي وجه .
2-    إيقاف أي تحريض ضد إيران .
3-    يتعهد الطرفان على عدم تزويد أي جماعات انفصالية أو مسلحة بأي مساعدات عسكرية أو مادية أو تدريبية إلا بشكل علني وبموافقة دولها .
4-    يتعهد الطرفان بعدم السماح لأي جماعة منشقة أو معادية للدول التي تشملها الاتفاقية بالقيام بأي أعمال ضد الدول المشتركة في الاتفاقية .
5-    يتعهد الأطراف بحل أي نزاع حدودي بينهم وبين إيران بشكل ودي ، وفي حال عدم الوصول لاتفاق يتم تحيد المناطق المتنازع عليها مدة خمس سنوات ، ثم تعاد المفاوضات بالطرق المتبعة دوليا .

والقسم الثاني من الحل (الحلول الدائمة)، يدور في ثلاث محاور رئيسية :
سياسي ، شعبي ، ديني ، وهناك خطوات إستراتيجية يلتزم بها الجميع وهناك خطوات يأخذها كل طرف .
أولا : المحور السياسي :
على الساسة الدفع باتجاه تشيد النظم الديمقراطية لإدارة شؤون بلدانهم ، وتشريع وتفعيل القوانين اللازمة لإخراس ألسن الفتنة ، ووضع قدسية خاصة للأديان والمذاهب ، كما عليهم محاسبة كل من قام بتصدير الإرهاب وبالأخص دعاة الجحيم في الخليج ، وتشديد الرقابة على التطرف والمتطرفين ، والإعلان عن حقيقة المواضيع التي استخدموها أو سمحوا باستخدامها لإشعال الفتن .
كما عليهم السعي بتعديل المناهج الدراسة والنظم التعليمية ليكون التعليم بذرة الرقي لا بذرة القتل ، وتحديد استراتيجيات واضحة تتبناها الدولة للحد من انتشار التعصب والتطرف في شتى الميادين والمجالات لخدمة الاستقرار العام .
ثانيا : المحور الشعبي
لا تختلف أهداف المحور الشعبي عن أهداف الحكومات في هذا الصدد ، ولكن على الشعب ممثلاً بمنظمات المجتمع المدني كمجاميع أو من خلال أفراد كإعلاميين ، السعي لتحقيق المطالب الأساسية لوئد الفتن ، وإعلان الاعتراض الصريح على دعاتها .
كما إن للشعب دور مهم بإخراس ألسن الفتن ، فلو قال الجميع لدعاة الفتن "لا" ، لن يجدوا من يسمعهم بل لن يتجرءوا بالبوح بفتنهم ، فعامة الناس هم القادرين على إخماد الفتنة قبل قيامها والجميع يسعى لهذا الهدف ، وهذا لا يعني بحال أن لا يبوح الإنسان بمعتقداته ويعبر عنها وينشرها ، ولكن يجب أن يمنع من التعرض بالسوء للآخرين .
ثالثا : المحور الديني
هو أهم المحاور في الوقت الحالي ، فللأسف إن الفتنة المنتشرة ذات أس ديني مذهبي لا عرقي أو فكري .
ومما لا خلاف عليه إن الأزهر الشريف هو رأس أهل السنة العلمي ومنارهم الديني ، وهو الجهة المقبولة عند أغلب الشيعة ، إلا المتطرفين من الطرفيين .
فعلى الأزهر الشريف أن يأخذ دوره في رتق فتق الأمة ، وعلى الشعوب والدول معاونته في ذلك ، فإذا استطاع التحرك بقوة وفرض أراه باعتدال ، على أن يسمح لمختلف أطياف المسلمين بممارسة شعائرهم، والإعلان عن معتقداتهم دون التعرض للآخرين ، ويحفظ حقوق الجميع الفكرية والعقدية ، يكون قد نزع فتيل الفتنة من جسد الأمة الإسلامية .
كما عليه أن يراقب كل الخطاب الديني الذي يبث عبر القنوات وبالأخص تلك التي تبث من مصر أو غيرها عبر قمرها الصناعي المصري ، وكذلك مراقبة الخطاب الديني السني في مصر وفي أي دولة مُكن الأزهر منها ، وهذا يشمل الخطاب الشيعي بحيث يسمح بعرض الشيعة لعقائدهم وشعائرهم ، دون السماح لقنوات الفتن من جميع الأطراف أن تنال من المذاهب الأخرى .
كما يجب على منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي) وبضغط جميع أعضائها ، فرض هيمنة الأزهر الشريف على الخطاب الديني في مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وبالأخص بعد خطاب الشيخ الحذيفي الطائفي التحريضي ضد الشيعة في يوم الجمعة الموافق 7/10/2011م ، فلا يعقل أن يستغل منبر المسجد النبوي الشريف لتفريق الأمة وتمزيقها ، وهذه ليست أول مرة يتعرض بها هذا الشيخ وغيره للشيعة .

في الختام :
إن لم يلاحظ الساسة والقيمين على المؤسسات الدينية مدى الخطر المحدق بالأمة ، ولم يتخذوا خطوات وإجراءات فعلية في الفترة الزمنية القريبة ، فالأفضل هو استعداد المسلمين لحرب طائفية في المنطقة ، وانتظار شرارتها التي تشعلها وتقصم بها ظهر الأمة .