السبت، 26 نوفمبر 2011

ترك البديهة ... "احراق العقيدة"

"احراق العقيدة واثبات الحقيقة" 


اسم لمجموعة من البحوث أو قل كتاب ، يتعلق بالتفكير بالمسائل العقائدية وبعض الأخطاء الشائعة فيها ، كنت قد كتبته قبل اربع سنوات أو أكثر ، ولكني انشغلت عن تصحيحه ونشره .. 


وخطر في البال أن نشره على بحوث "مواضيع" متفرقة .. وأسأل الله التوفيق والسداد ..


الموضوع / الأول
إحراق عقيدة ترك البديهة
هناك من يعتقد إن للإنسان مخالفة الضروريات البديهيات ليثبت عقيدته الدينية ، كالذين يرون إن الواحد في حال كونه واحد هو عين الثلاثة في حال كونها ثلاثة في نفس الوقت من نفس الجهة ، أو إن الله عز و جل في جهة و ليس في واحدة من الجهة الست الفوق و التحت و الأمام و الخلف و اليمين و اليسار ، أو إنه بذاته بجهة فوق و جهة تحت و الفوق غير التحت و لكنه ليس متغير !!

و لبيان فساد هذه العقيدة نقول :
إن فسادها من البديهيات ، و لكن لا يمكن أن نستدل على فسادها بالبداهة لأن المخالف لا يعتقد بحجية البديهي ، فلا بد أن نعرف البديهي ونقوم حجيته بالطريق العقلية .

 فنعرف بالبديهي أولا : بأنه هو العلم الذي يحصل بالمفاجئة و الارتجال دون الحاجة إلى تفكير .

و مثال ذلك : أن يأتيك شخصان ببرتقالتين و يقولان لك اقسم الكمية علينا ، فإنك من غير تفكير سوف تعطي كل واحد من الشخصين برتقالة ، و هو كاعتقادك الجازم إن الواحد نصف الاثنين و أن الكل أعظم من الجزء مثل كل البحر أعظم من كوب منه .
و من البديهي العلوم الحسية التي لا تحتاج إلى عمليات عقليه كمعرفتك بأن الشمس طالعه حين تراها ، و إن القمر موجود حين تراه ، و إن الورق الذي أمامك أبيض و الحبر أسود ، و إنك تسمع الصوت أولا و صداه بعده ، و إن الماء المغلي الذي تضع يدك بجانبه حار و إن الثلج بارد ، و مثل هذه الأمور أكثر من أن تحصى .
تنبيه : أحيانا يجيب الشخص عن سؤال بسرعة و لكنه ليس من أصل بديهي بل هو من أفكار سابقة أصبحت كالبديهيات .
ثم نبين : إن العلوم التي يمتلكها الإنسان تأتي من التفكير و التفكير هو حركة العقل بين المعلومات للوصول إلى المجهول الذي نبحث عنه .

و السؤال :  كيف أتت المعلومات الأساسية التي استخدمها العقل للتفكير ؟

و جواب العقل على هذا السؤال : هي المعلومات التي كانت عند الإنسان و لم يحتج في إيجادها إلى تفكير ، و إلا لما استطاع العقل أن يفكر الآن و هو يقرأ الكلمات ، حيث  لن تكون عنده معلومات إلا بالتفكير و التفكير يحتاج إلى معلومات و المعلومات الأساسية غير موجودة ، إذن العقل يجبرنا على الاعتقاد بوجود معلومات أساسية ( بديهية ) لا يمكن أن نفكر من دونها و هي لا تحتاج إلى تفكير .

و هذه المعلومات تنقسم إلى أقسام :

أولا : الأوليات و هي الأمور التي يكون الحكم فيها ملازم لذاتها فلا يحتاج الحكم بها إلى أمر أخر غيرها خارج عنها حتى التفكير ، بل مجرد تصورها بطرفيها يجعلنا نصدق بها كالكل أعظم من الجزء .

ثانيا : الحسية و هي المعلومات التي نكتسبها بالحس دون تدخل العقل  ، و هي المدركات و المعلومات التي تكتسب عن طريق الحواس الخمس : البصر ، السمع ، الشم ، الذوق ، اللمس .

ثالثا : التجريبيات : و هي التجارب التي يقوم بها الإنسان و يكررها فيحصل عنده علم بتكرر النتيجة كلما كرر التجربة ، فيكتشف بالتجربة إن السبب في النتيجة اتحاد العلة التي لا يتخلف عنها أثرها ، مثال : إذا شاهد الإنسان نارا فوضع يده بقربها و شعر بالحرارة و كرر التجربة أكثر من مره فإنه سوف يكتشف إن العلة لوجود الحرارة هي النار و هذا الاكتشاف لم يكن بسبب التفكير بل بسبب التجربة و العلوم الحسية .

رابعاً: المتواترات : و هي الأخبار التي تطمئن لها النفس و يزول الشك بها و يحصل عند الإنسان الجزم و القطع بصحتها ، و ذلك يحصل بإخبار جامعة يمتنع اتفاقهم على الكذب و يمتنع خطأهم جميعا في فهم الحادثة ، مثال : إذا كان الشخص نائم و حين استيقظ قال له شخص : إنه قد حدث زلزال قوي ، فلعل السامع لا يصدق و لكنه إذا سار في الشارع و قال له البقال إن الزلزال وقع ، و قال له ثالث رآه بالشارع إن الزلزال وقع و رابع نفس الكلام و المخبرين لا يعرفون بعضهم فإنه سوف يتقن بحدوث الزلزال .

خامساً : الفطرايات : و هي القضايا التي يكون دليلها معها فكلما حضرت حضر الدليل و هذا الدليل من الأدلة التي لا تغيب عن الذهن كي يحتاج إلى التفكير فيها ، مثل : إن الثلاثة ربع الاثناعشر ، فهذا الحكم يحتاج إلى دليل و هو إن إي عدد قسم على أربعة فالناتج يكون ربعه و العدد 12 إذا قسم على العدد 4 يكون الناتج هو العدد 3 فيكون العدد 3 ربع العدد 12 .
و لعل الأغلب في هذا المثال لا يلاحظ هذا الدليل و لكن إذا غيرنا الأعداد فإن الذهن سوف يلاحظ الدليل فمثلا : إذا قلنا العدد 45 هو ربع العدد 180 فإن الذهن سوف يلتفت إلى الدليل لأنه لم يأنس بهذه الأرقام ، و دليلها واحد في جميع الحالات و هو إن أي عدد يقسم على العدد 4 يكون ناتجه ربع العدد الأول .

و أضيف إلى هذه الأقسام قسم آخر و هو الحدسيات و لكن لا نذكره كي لا تختلط المطالب على القارئ الكريم و هذه الأقسام المذكورة هي ما يعبر عنه بالبديهيات فهي لا تحتاج على تفكير بل هي أساسية لكل معلومات الإنسان .

فإذا اتضح هذا نقول : إذا رد الإنسان أي واحد من البديهيات فيجب عليه أن يرد جميع البديهيات إذ إن منشأها واحد ، و إذا أردت التفصيل فقل إذا رد الإنسان أي بديهي من أي قسم فيجب عليه أن يرد القسم بكامله .
و البديهيات لا يستغني عنها الإنسان فلا يستطيع ردها إذ حتى التفكير بها يعتمد عليها .
إذن ما خالف البديهي يجب أن نرده و لا يرد البديهي إذ إن رد البديهي يستلزم رد كل العلوم و المعارف البشرية بلا استثناء ، و متى ما كانت العقيدة مخالفة لهذا البديهي فيجب إما طرحها و إما طرح البديهي و كما ثبت فإن طرح البديهي ممتنع فيجب طرح تلك العقيدة التي تخالفه ، و متى طرحنا البديهي يجب طرح العقيدة كاملة لأنها نتاج أفكار و الأفكار تعتمد على البديهيات و البديهيات مطروحة بطرح تلك البديهية .







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق