حكاية ابنة البواب
وقفت أنتظر المصعد ، فأتت الطفلة إلى جانبي واقفة تنتظره معي ، حين وصل ، فتحت الباب فدلفت إليه قبلي ، مددت يدي أضغط على الطابق الذي أريد ، فسألتها عن مرامها ، كانت قد رفعت يدها علياً تضغط على الزر الموصل إليه وهي تخبرني ، أنه فوقي بطابقين .
تأملتها فهي كما رأيتها منذ أيام ، حافية القدمين ، متسخة الوجه واليدين ، وطبعا جمعت رجلاها أوساخ البناية والشارع الموصل للدكان ، حين رأيتها أول مرة كان في بداية سكناي في هذه الشقة ، فقد سألني البواب إن كنت أريد شيئاً من الخارج ، فطلبت منه أربع قنانٍ من الماء وعلبة من الشاي ، وأعطيته النقود .
سمعته حينها يأمر فتاة بإحضار الطلبات ، بعدها بقليل أتت هذه الصغيرة بجديلتيها التي هربت منها شعراتٌ حزينة لتحكي هوان الفاقة وذل الأيام ، وعينيها اللتين لم تستيقظا من النوم بعد ، وهي محملة بالطلبات ، تأملت الأب والطفلة ، يا لقسوته ، كيف يحمل طفلة لا تتجاوز بحال السادسة من عمرها هذه الأثقال .
وها هي أمامي ثانية ، تخطو بحلتها الخَلِقة ، صاعدة لتُنزل معها أعباء الحياة ، سألتها مستفهماً مداعباً :
- كم عمرك يا صغيرتي ؟
- أحد عشر سنة ! .
ذهلت وقلت :
- ما شاء الله كبيرة ، لا يظهر عليك .
تبسمت فرحاُ ، وتبسمت لها أساً ، وتوقف بنا المصعد لأخرج ، وتكمل هي طريقها للأعلى ، حيث ستعاود النزول إلى أسفل الدرج ، ولن تصعد إلا جوازاً لتعاود الهبوط ، تألمت لضآلة جسدها الهزيل ، الذي يُتنهك في كل ساعة بأعمال المترفين الشاقة على تلك البنية الذابلة ، ومن يدري إن لم يجد من يرحمه ، هل تنتهك حرماته بعد أيام أو شهور حين تتفجر منه مفاتن الصِبا ؟
عندما خرجت من ذاك المنزل ، ترقبها قلبي فوجدها ، مددت لها ببعض القطع النقدية ، أصررت أن تذهب لتصرفها الآن ، محاولاً بذلك مداعبة آخر خصلات طفولتها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق