أنثى الجسد
في عالم التقنية الحديثة تقترب المسفات ، فيغدو البعيد بعد تحطيم حوائط العزل في المنطقة الحميمة ، تلامس شفاهه أذنك كلما همس ، وتداعبك أنامله مع كل حرف ، يعيش الإنسان في عالمٍ افتراضي خيالٌ يتجاوز الحدود فيتحول إلى حقيقة ليست كالحقيقة .
تتحرك الأحداث في العالم الافتراضي كما هي في العالم الحقيقي فيها الحلو وفيها المر ، فيها اللص والخائن والغادر وهناك تجد الصديق الصادق الأمين ، تجد العاشق الهائم حيث تجد المتطفل المزعج .
مَلّ ((سعيد)) ما قرأ منها ، فهو يكرر القراءة كل يوم وكل ساعة بل كل لحظة حتى ، وان لم يقرأ فذاكرته سوف تعيد ما مر عليها ، حالة التكرر ليست بإرادته ولا بإجبار أشواقه وهواه ، ولكن هذا صنع يدها لا لبداعة القلم ولا لسمو الفكرة ، ولكنه بسبب إلحاحها غير المبرر الذي اجتاح عالمه دون قصدٍ منه ، كانت إنسانة غريبة عرفها لتصبح قريبة ، قرب الصديق إلى صديقه لا العشيقة إلى العشيق .
فهي أمامه أنثى كغيرها من الإناث في هذا العمر تفوح منها ريح الأنوثة وتسطع من عينيها أشعة الرغبة المصطلية بنيران أنفاسها تحرق القلوب المنتظرة ، وكأي فتاة تشتكي من جور الرجال فكلهم يرونها أنثى ، فلا يوجد رجل يراها إنسان ، أخبرته هذا ، واستمع لها بإنصات ، لم يخطر بباله أنها كانت تراه كغيره من الرجال ، يراها صندوق أنوثة يجب أن يلتهمه ، وهي تعد نفسها لتكون تلك الكعكة التي يستلذ بها .
أما هو فقد قابلها بقلب رجل صادق ، رآها إنسانة تستحق أن يعاملها كانسان ، فاقترب الإنسان ليصبح صديق قريب يتبادل معه الأحاديث ، عن جور الزمان وهمومٌ ينفثها كالبركان ليهدأ و يستمع لزلزالٍ يخرج من تشققات صدرها المليء ، فهكذا هو الإنسان ، تكلم و تكلمت ، استمع و استمعت ، فكر و فكرت ، أشار و أشرت ، ضحك كما ضحكت وبكى كما بكت ، ذرفت لحاله دمعها ولحلها ذرف ، فهكذا هو الصديق .
أنقلب حال سعيد مع انقلاب حال الدنيا التي دارت به على رأسها ، وتبدلت الأحوال على غير ذاك الحال حتى اختلفت أوقات فراغه مع فراغها ، وزادت همومه وشجونه التي شغلته عن غير ما يصيبه ، و وجد في جموع الشباب سلوى ، فارتاح البال و ركن الفؤاد عنها إلى غيرها ، ولسان حاله لا يفرق بينهم وبيينها فكلهم له أصحاب .
مرت أيامٌ لم يتبادل معها حديثاً إلا السؤال العابر متى ما سنحت الفرص عن الأحوال ، فلامته لانشغاله عنها ناقضاً بذلك عرى الصداقة ، فأخبرها عن سوء حاله ، وانشغال فراغه بجلسة الأصحاب في المقاهي ، فسألته عن نفسها ومكانتها عنده ، فأخبرها أنها الصديقة وهو الصديق ، و إنهما لوقت الضيق فان ضاقت من الحياة ذرعا فهو ملجئها كما هي الملجئ له ، فارتحلت بعدها عنه أياماً لم يسمع صوتها وأسابيع .
رن هاتفه ليُنفِذ إليه صوتها وهي تتفقده ، فتفقد بالبين أحوالها ، أخبرته عما مر عليها ، وكما أتى في خاطره أشار عليها مشورة الإخوان ، ولكنها تداركته بسؤال ما خطر له على بال ، تنقب في مداه عن غيرها أنثى ، استغرب سؤالها ، فما همها تلك الصديقة الإنسان ؟
سألها : لما يا هذه هذا السؤال ؟ ، فتفتق صدرها ليكشف له غيرة الأنثى على محبوبها الرجل ، فخاطبها بالمذكر : إنكَ يا صديقي صديقٌ مقرب ، ولا تعلم مني أني أتيت قبلاً على ذكر النسوان فلا تسل .
ولكن نار غيرتها أكدت ما يخفي قلبها ، فاشتعلت أنفاسها تتهمه بالحب ، فقال لها : وما بالكِ وما ضركِ يا صديقتي يا أختي إن أحببت عشراً ؛ فأفصح لها عن حريته من قيودها ، واحتفاظه بشأنه الخاص عن الإفصاح ، ولكنها قابلت تكتمه بالإفصاح عما في قلبها المتيم ، فخاطبها خطاب الأخ لأخته فناداها : يا أختي أنا صديقٌ لا أكثر ؛ فأبدت من وده الامتعاض فهي ليست أخته ولا تريد أن تكون أختاً ، تخبره أن قلبها بالحبِّ أفعم ، أنه كان لها المُحَطِم ، تريده بجانبها لها مجنون مُتيَّم ، استفهمها عما كان منه وما بدر ، وما اقترفت يداه وما قد حطم ؟ ، فأخبرته بخبر الحب الذي نال منها فأشعل شوقها وعشقها وهيامها ، بخير خفقان قلبها وسهادها وهي تستنشق ذكرى أحاديثه .
فتسائل معها :
سيدتي أبدر مني ما أوحى لك بالحب ؟
لا ولكني أحب .
سيدتي أخبرتك بأني أردتك أنثى ؟
لا ولكني أريدك ذكراً .
سيدتي أيمكن أن ترحلي عني ؟
لا لا أريد فأنا لك يا سيدي .
سيدتي أن أردتني فأنا ذئبٌ سيء الطباع ؟
فليكن فأنيابك أمامي تاج على رأس ملاك .
سيدتي هل تقبلني أن تكوني معي أنثى على الفراش ؟
تهلل صوتها الذي كان بالجراحاتِ أتخم و أجابت بأنه غاية ما تريد من أيامها و غاية مبتغاها أن على ذاك الفراش ترحل .
سيدتي أن لم ترحلي فأني سوف آخذ منك ألذ ما فكِ و عنك من يومين أرحل ؟
قلت : لو كانت لحظة معك ، وبعدها ترحل ، سأكون ممتنةً لها ، فهي اللحظة التي أقدم لحبيبي بها أغلى ما أملك .
سيدتي ألست كنت في الأمس البعيد تريدين من يعاملك كإنسان لا كأنثى ؟
أجل هذا ما أردت .
سيدتي لما رجعت أنثى ؟
لأني وجدت من يعاملني كإنسان .
سيدتي إن ما تريدين سيجعلني أعاملك كأنثى كجسد ألتهمه وأرمي عظامه ؟!.
غضبت منه لبروده : ما بك هذا ما أريد ، يكفيني أني وجدتك إنسان لأكون له أنثى .
سيدتي لا أريدك أنثى ..
لا تقل سيدتي فأنت سيدي و إن لم تردني فأنا أريدك لا تحرمني منك ولو للحظات أهبك فيها ما أملك ، و بعدها أرحل و ترك لي ذكرى تلك اللحظات ، أستلذ بآلامها ما بقي لي من عمر .
لم تنثني بسوء عبارته ، بل رأتها بصيص أملٍ تحاول الولوج منه إلى كيانه .
ومازلت تأرق وقته باتصالاتها برسائلها بهمستها وكلماته ، لم تنقطع لا في ليل ولا نهار ، تذكره بأنها جسد طريٌ نضرٌ غضٌ يتشوق ملتهبٍ للمساتٍ تطفئ تأججه الوهاج .
فهكذا حين انفجر لأنثى بعد اختباءٍ في لباس الإنسانية ، فتبقى الأنثى أنثى و الذكر ذكر و من يقاوم طبيعته إنسان ليس من جنس البشر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق