أشلاء دولة
حل الحكيم على شعبٍ أو شبه شعب له دولة يسمونها "كلمن لسانو إلو" ، لها دستور يشهد له بالبنان، منحهم إياه حاكمهم أكبر من حجمهم وعندما رأوه واسعاً عليهم طلبوا دستوراً أوسع منه كطفل صغير يريد عجلة أخيه الكبير فإذا حصل عليها ولم يعرف كيف يلعب بها طلب مفاتيح سيارة أبيه ، لها سُلُطات ثلاث تشريعية يختارونها بانتخاباتٍ نزيهة في الصندوق والفرز وإعلان النتائج لتمثلهم فتشرع لهم القوانين وتراقب التطبيق وأحيانا يبيعون أصواتهم لآخرين كي يصلوا لعضوية هذه السُلطة فيتكسبون منها على حساب الوطن ، كما لهم سلطة تنفيذية مكانها بين مطرقة المصالح وسندان التنمية تسيرها الترضيات والمساومات والمناقصات ، وأخرى قضائية مصانة بقوة القانون .
رأى الحكيم بعض نواب هذه الدولة يشرعون القوانين بعد أن "ينشفوا ريج الشعب" ثم يقومون بتهميشها ومخالفتها ،فإن طبقت الحكومة قانونا لا يصب تطبيقه بمصلحتهم صرخوا وأزبدوا وأرعدوا وشتموا وهددوا وإلى الشوارع نزلوا ، وإن جمدت الحكومة القوانين وتغاضت عنها فداءً لشرر أعينهم واستفاد مخالفيهم من التعطيل ولم يطبق عليهم القانون على ما أسسوا ، صرخوا وشتموا "وناططوا" و"عقلهم"(جمع عقال) حذفوا وشَعْرِهم "مجعوا"(شدوا ونتفوا) وعلى قرع الطبول أقسموا رأس رئيس وزراء بلدهم إما يطيروه أو مستقيلين يرحلوا ، فتضرب حكومتهم أخماسا بأسداس وتطبطب على كل قرعة وراس ، إلى أن توصل المشكلة للقضاء لترحم نفسها ، فإن كان المتهم منهم ضجوا مجدداً لماذا القضاء لماذا التعسف فالقضاء يطبق القانون والقانون الذي شرعنا ضدنا ولا نريد تغيره كي لا يستفيد غيرنا ، وإن كان المتهم ممن لا يحبون وهم أكثر أهل البلد فيبتسم النواب ويقيمون للشماتة مأدبة .
وشهد الحكيم بعض أتباع النواب للمخفر يجرون وفي الزنزانة بحكم القانون يوضعون ، فصرخ بعض النواب ونما فيهم الحقد "فسنفروا" إلى المخفر مهرولين للحكومة مهددين إما تخرجينه أو نقلب بلادكم على من فيها ، فسلمت الحكومة رقبتها وأحنت لهم ظهرها ، فضحكوا وامتلأت قلوبهم فرحاً وعلت وجهوهم إشراقات النصر، فتابعهم إلى يومين حيث أصدر القضاء حكماً نزيها بتبرئة من سَمّوْه "ناصر البحرين" فخرج من محبسه يتنفس هواء الحرية ، فزمجروا النواب وأنيابهم كشروا وأتباعهم أطلقوا، فاتهموا الدولة كلها بالعمالة، ولم يستثنوا القاضي بل قالوا مشترى وقالوا يحركه "فلان" الصفوي وقالوا لعبة حكومة واحد بواحد "وتويتر" يغطي على اسم الغراب إذا ضيع نعيقه بين تغريد البلابل .
وقف الحكيم بين أهل البلد ناصحاً في هكذا دولة الانتماء فيها للقبيلة للطائفة للعائلة للحيةٍ الطويلة الدولة بالنسبة للشعب بقرة حلوب تدُر لبنها لمن يوجعها من الطوائف بالسياط ، ومن يدللها من أبناءها تمنع عنه دَرُها ، ستجد كل أنواع الانتماء إلا الانتماء للوطن الذي لم يبقى من معالمه إلا حاكم وقضاء وثلاث أبراج وخزانات مياه قمعية وبقايا شعب يبحث عن كهف بين رمالها ، فأنتم يا سادة لا تملكون دولة بل أشلاء دولة منثورة على أرض وطنكم القتيل ، فيا قوم تدبروا ونعمة ربكم فشكروا وبلادكم فعمروا .
لم يتأخر الحكيم في تلك البلاد فقد جن بعد أن رجم بالحجارة التي وصل سعرها ألف دينار من خزينة الدولة للصخرة وزعت بقسمة الحرام بين سراق المال العام بتهمة تطاوله على "السنافر" وخرج "يمجع" شعره ، ليدور ويحذر بقية البلاد من بلاهة وعناد وطائفية وتحزب أهل بلاد "كلمن لسانوا إلو" !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق