الثورة الكويتية ..
لا يوجد تعريف جامع مانع لمصطلح (( ثورة )) ، ولكن يمكن
أن نستشف من استخداماتها وتعريفاتها المتنوعة إنها (( أي حراك شعبي يهدف لتغيير
نظام الحكم القائم جزئيا أوكليا لتحقيق أهداف معينة )) دون النظر لنوع الحراك إن
كان عنيفا أو سلميا ، ودون تحديد نوع التغيير هل هو تغيير الدستور أو جزءا منه أو تغيير
الحاكم من عدمه ، ودون تحديد لنوعية هذا الهدف ومدى مشروعيته وانسجامه مع المواثيق
الدولية أو الطبيعة الشعبية .
وما يدفع الناس لطلب هذا التغيير هو عدد من العوامل يمكن
تلخيصها بـ(الظلم) الشديد ، والذي مع عوامل مساعدة ( أغلبها اقتصادية ) يدفع الشعب
أو جزء كبير منه للسعي لإسقاط النظام الحاكم ، وهذه الظلم وهذه العوامل غير موجودة
في الكويت ، فالكويت تتمتع بقدر كبير نسبيا من الحرية ، ورفاهية مرتفعة ،وسلطة
قضائية يشهد لها بالنزاهة ، ودستور مرن وواقعي يتناغم مع طبيعة الشعب والمنطقة .
وإقراري بعدم توفر عوامل ومبررات قيام ثورة ، لا يعني أن
الفساد لم يطرق أبواب الكويت ، بل هو منتشر واجتمع على الإقرار بوجوده من رأس
الدولة إلى أصغر موالي ومعارض ، وفساد الدولة ليس فقط من سياسة الحكومة بل حتى بالنواب
كنواب (الواسطة) ومتنفذين آخرين طرفا أساسيا فيه ؛ كما إن هذا الإقرار لا يعني أن
الكويت لا تحتاج لإصلاحات سياسية وقانونية وبالأخص في ما يتعلق بالحريات الدينية
والفكرية التي وجهت لها المعارضة ضربات قاصمة وبتعاون حكومي أحيانا ، كما أن
دستورنا مازال حالة برزخ في جزئه السياسي وما يتعلق بشكل النظام ويحتاج إلى تعديل
نحو الصلاحيات الشعبية ولكن بعد أن يتقبل شعبنا احترام حقوق الآخرين ويقبل بتفعيل
الباب الثالث من الدستور ( الحقوق والواجبات ) ، لنستطيع بناء سياسة دولة المواطنة
لا سياسة دولة الطائفة والقبيلة .
ولكن [ ومنذ سنة 2006 مع وصول رئيس وزراء جديد (سمو الشيخ ناصر
المحمد) ومع تضييق الطرق على ( الواسطات ) المصحوب مع فتح مجال أكبر للحريات ]، التقت
مصالح من يريد الوصول للحكم سواء إمارة الدولة أو رئاسة الوزراء من أبناء الأسرة ،
أو رئاسة الوزراء الشعبية ، ليقوموا بسلسلة من التحركات استطاعوا من خلالها إيهام
بعض المواطنين بأنهم يواجهون فساداً حكومياً (غير مسبوق )، وقمعاً ( غير مسبوق )
للحريات، وفسادا ( غير مسبوق ) لأعضاء مجلس الأمة، بالتزامن معه إقناع الشريحة
المستهدفة أن الواسطة التي كانت ومازالت تسير أعاملهم المخالفة للقانون والتي
تتضمن انتهاكا لحقوق الآخرين ( حق مشروع ) منعتهم عنه الحكومة ، وإن قمعهم لحرية غيرهم العقائدية وتجير الدولة لنشر وفرض
آراءهم ومعتقداتهم على من يخالفهم عقائديا ( حق مشروع ) ، وإن انتهاكهم للقوانين
حتى التي أقراها نفس رموز المعارضة وإن تضمن اعتداءا على المال العام (اقتحام
المجلس) في سبيل تعبيرهم عن رأيهم السياسي ( حق مشروع ) ، وأن الحكومة ومن يقف في
صفها ينتهكون حقوقهم ، فهي حكومة ظالمة ومن خلفها سمو الأمير الذي يعممون عليه
الوصف .
وهذه الإيهامات استطاعت خلق حالة من السخط والاحتقان في
قلوب الشرائح المستهدفة من الشباب والشابات ، والذين يظهر من كلماتهم وردود
أفعالهم ما في قلوبهم ، وأشده أن يتعرض سمو الأمير لكلمات جارحة تتضمن الاستهزاء
والاستخفاف سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة ، بما يعطينا مؤشرا ونحن في دولة للحاكم
فيها مقاما محترما عند المواطنين مهما اختلفوا معه ، أنهم لا يحترمون موجود الدولة
الحالي ويرون ضرورة تغيير النظام فيها ، وهذا هو داعي قيام الثورة ، سواء أعلنوا
قيامها أو غطوها بكلمات توهم عدم نيتهم المساس بالحكم .
ولكن في نفس هذه الأوقات هناك من رآى عيوب المعارضة
الجديدة و" الثورجية " وكان شاهدا على عصر تكررت فيه ( العيوب غير
المسبوقة ) التي يدعونها بل يرى إن هذا هو عصر الإصلاح والانفتاح والحريات ، إضافة
إلى ركون المعارضة ( الثورجية ) إلى الطائفية ضد الشيعة لتأليف قلوب الطائفيين وجرهم
للوقف معهم ، واستدرارهم للعصبيات القبلية ، فكان الوجهين الطائفي والقبلي
للثورجية منبها للشيعة والحضر السنة يمنعهم من الانجرار والوقوع تحت تأثير سحر
الخطابات العاطفية الرنانة لرموز المعارضة ، وتغليبهم منطق العقل والحكمة في
مواجهة هذه (( الثورة )) المبطنة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق