الأحد، 11 سبتمبر 2011

محاكمة سرية " قصة قصيرة "


" محاكمة سرية "
أخبرني راوٍ عجوز كنت أعوده على فراش مرضٍ قد أكل صحته عن حكاية قال إن منها العبرة ، ولا أدري كيف عرفها ، أو ممن سمعها ، أو إن كان هو أحد أبطالها ، فقد قال العجوز :
عجت القاعة بضوضاء الصحفيين وملأتها أضواء المصورين ، حتى صاح الحاجب : محكمة ..
فخيم السكون ووقف الجميع محترِمين ومنتظرين ، دخل القاضي الموقر ليجلس بهيبته الجليلة وقال :
" فتحت الجلسة ، برغبة مولانا المعظم ملك البلاد ، وحفاظاً على السلم الأهلي ومصالح المتهمين ، أمرنا بإخلاء القاعة وتحويل الجلسة إلى سرية  " .
فهب الحرسُ واقفون .. أخرجوا الحضور.. حاول بعض المحامين الحفاظ على حقهم بالبقاء في الجلسة ، أمرهم القاضي بالخروج على أن يستدعي المحامين المسجلين ، بعد أن فرغت القاعة ، أخرج الحاجب ورقة ، سلمها للحرس وأمرهم أن يستدعوا المسجلين فقط ولا يسمح لغيرهم بالدخول  .
نادى الحرس على المحامين المسجلين ، وغلَّقوا الأبواب وسط اعتراضات بقية الوكلاء .
تأكد القاضي من الحرس على إتمام تنفيذ الأوامر ، وقال: باسم مولانا المعظم و بالجلسة السرية المنعقدة اليوم ، حكمت المحكمة الحكم السري حضورياً بإ...
قاطعه أحد المتهمين : سيدي القاضي سيدي القاضي ..
حاول القاضي تجاهله وأخذ بإعادة تلاوة الحكم ، ولكن المتهم كان مصرّاً .
فقال القاضي : ماذا تريد ، إن لم تلتزم الهدوء سوف نخرجك من القاعة .
فأجابه المتهم سريعاً : إنك تخالف الرغبة المعظمة لجلالة الملك بإخلاء القاعة .
ارتعب القاضي وفغر الحاجب فيه وجحظت عيناه ، وتبادلا النظرات ، ثم نظرا للمحامين ، فقال أحد المحامين : لا غريب بيننا سيدي ، فنظر الحاجب للمتهم وصاح : من الذي دخل دون إذن .
فقال المتهم : القاضي لم يخرج الجميع ليدخل المراقب دون إذن ؛ وخفض صوته وقال : هناك من يراقب ويسجل الجلسة ، ولن يكون الحكم سرياً .
شزر الحاجب القاضي ، فخاطبه القاضي بصوتٍ ملؤه الخوف : سيدي لا يوجد أحد ، هل ترى أنت أحد ؟
دقق الحاجب في كل ركن ثم قال : لا .
فصاح المتهم : كيف لا؟ هل عميتم؟ ألا ترون؟ إنكم لن تعرضوا أمن المملكة فقط للخطر ، بل إنكم تعرضون جلالة الملك المعظم للخطر والمساءلة والمحاسبة .
فتملك الحاجب غضب مُزلزل ، وأخرج سلاحه من جيبه ووجهه للمتهم ، فتبسم المتهم وقال : ستحكمون عليّ بالإعدام ثم تخيفوني بمسدس ؟
فصاح الحاجب : من ؟
فقال المتهم : الله ، الله ..... الله يراقب الجلسة ، والقاضي لم يخرجه ، وسيحاسب جلالة ملكنا المعظم ويعاقبه أمام الخلائق علانيةً ، هل تنكرون أم لا تعقلون ؟.
تبادل الجميع نظرات الدهشة ، إلى أن قهقه الحاجب ضاحكاً فقهقهوا معه إلا القاضي .
فقال الحاجب للقاضي وابتسامة السخرية مرسومة على شفتيه : ما بك يا سيادة القاضي ؟
فقال القاضي : الله .
فوجه الحاجب سلاحه إلى رأس القاضي ومازالت ابتسامته الساخرة كما هي وقال : جلالة ملكنا الذي تحكم باسمه أم الله ؟
أخذت القاضي حيرة ، أطرق برأسه .
ثم سألني الراوي : ماذا فعل القاضي برأيك ؟ .
فأطرقت أنا أيضا أفكر وقد تحيرت بالجواب ، رفعت رأسي على أصوات خبط أقدام الأطباء والممرضين ، وإذا بالراوي قد تبسم وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة دون أن يخبرني بالنهاية ولكنه قبل موته أشار لي بإصبعه الدائر بجانب دماغه أن أفكر ، ومازلت أفكر  !!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق