الاثنين، 2 يناير 2012

وقت حازم ... (قصة قصيرة)



قصة قصيرة
وقت حازم

فراس خورشيد
الحازة على المركز الثاني في مسابقة القصة القصيرة  الهيئة العامة للشباب والرياضة لسنة 2010 -2011 م 


وقت حازم
استيقظ حازم و السرور ملئ فؤاده فقد حصل على موعد للاجتماع الذي حلم به منذ اليوم الأول لتأسيس مكتبه الهندسي .
فاليوم بعد ثلاث ساعات ستحلق طائرته إلى دبي حيث سيعرض في تمام الساعة الثانية ظهرا تفاصل تصميم مكتبه أمام رئيس إحدى أكبر شركات المشاريع العقارية وممثلين عن ثلاث مكاتب استشارية عالمية ، حيث حاز التصميم المبدئي الذي قدمه على درجة عالية من الاستحسان واليوم سيبرهن على إمكانية تطبيقه وسيحصل على حق الإشراف على تنفيذه ليرى ما رسمه واقعا يفتخر به على مستوى العالم ، وحلم الثراء والشهرة التي متى ما تحركت لا تقف ستبدأ في هذا اليوم دبيبها الفعلي .
الساعة تشير إلى السادسة و عشر دقائق و هو يُسعد نفسه بما سيحقق فحَقُه الفخر و الغرور على ما سوف يحققه من انجازات عالمية ، أسرع ليستحم و في أثناء استحمامه تذكر إنه لم يحضر ثياب السفر الذي سيستمر ثلاث أيام يجب أن يظهر خلالها دائماَ مهندماً بكامل أناقته .
الساعة تشير إلى السادسة و سبع و عشرين دقيقة و هو يجفف نفسه و ينادي على الشاي ، يشعل سيجارة و هو يرتدي ثيابه ، يشرب الشاي و هو يبحث عن الحقيبة التي أحضرها بالأمس ، يبحث عن ثيابه ، يتساءل ماذا سيرتدي ؟ ما هو المناسب ؟ .. من سيستقبله في المطار فهو ضيف شركة من أصعب الشركات في التعامل و إن كانت أفضلهم ، يجب أن يكون على أحسن هيئة و حال مبهراً لمن يستقبله .
نظر إلى الساعة
(( يا إلهي إنها السابعة ))
ارتدى ما وجد أمامه و وضع ثيابه مكومة في الحقيبة التي بالكاد استطاع إغلاقها وهو يقرر أن يسلمهم هناك للفندق لكيهم مرة أخرى و إن كان المبلغ الذي سيتقاضاه الفندق مقابل كيهم مبالغ فيه جداً إلا إنه أفضل من إغلاق باب الملايين التي سيحصل عليها.
و على عجل وصل إلى المطار ركن سيارته في المواقف العادية فلم يجد الوقت الكافي لركنها في مواقف المدى الطويل التي يضع المسافرون سياراتهم بها للتوفير ، ولكن لم يهتم فالمهم أن يصل في الوقت المناسب .
لم يكف عن التفكير بهذا الاجتماع و هو يحمد الله على وصوله قبل إغلاق باب الطائرة .
هبطت الطائرة في تمام الساعة العاشرة و خمس وثلاثين دقيقة على مدرج مطار دبي الدولي سالمة ، و سار في ممرات المطار الطويلة بخطوات واسعة سريعة ليستلم حقيبته و يخرج في تمام الساعة الحادية عشرة ليرى شاب حسن المظهر و بكامل زيه الرسمي يرفع لافته عليها اسمه ، اقترب منه يعرف عن نفسه فابتدرت إليه حسناء لتدخل السرور على نفسه بترحيبها وعرفت عن نفسها (( هناء مرافقتك خلال هذه الزيارة سيدي )) وصحبته إلى السيارة الفارهة لتجلس بجواره على المقعد الخلفي ، و آلمه إن الرجل الذي أعجب بهندامه و حسن مظهره ليس سوى سائق عادي في هذه الشركة وليس كما ظنه أحد موظفي العلاقات العامة ، صنع ذهنه مقارنة سريعة من حيث المظهر بينه وبين السائق ولكنه استدرك و هو يقول في نفسه (( لا بأس سيتغير الوضع بعد ارتدائي ثياب أخرى من التي سوف أسلمها للفندق لكيها ، وما سيكون أجمل إني سأرافق هذه الفاتنة )) .
أبدت هناء تأسفاً و اعتذاراً شديداَ على تأخرهم بالوصول للفندق ولكنه بسبب الزحام الذي يجتاح دبي صبيحة كل يوم عمل منذ عدة سنوات ، قبل اعتذارها الذي خلط بشيء من إظهار السخط على هذا الاختناق المروري ولكن قلبه يشكر الظروف التي أجلستها محاذية له هذه المدة طويلة .
توقفت السيارة عند بوابة الفندق الرئيسية فأسرع أحد الموظفين المختصين لفتح باب السيارة له فترجل منها و ملئه الزهو و الفخر و هو يشعر إنه رئيس دولة كبرى باستقبال رسمي ، نظر إلى ساعته و هو يمشي و إذا بها الثانية عشر تماماً ، دخلا الفندق سويا ولم يكاد يقف في بهو الفندق حتى أتى من يرافقهم إلى حجرته من موظفي استقبال الفندق الذي يقدر ضيوف هذه الشركة التي تدفع بسخاء ، قبل أن تخرج هناء من حجرته برفقة الموظف قالت له :
(( سيدي أنا و السيارة بانتظارك ... أرجو ألا تتأخر حتى تصل للاجتماع بموعده ))
فأجابها حازم و هو يبتسم :
(( مقر الشركة قريب و مازال أمامنا قرابة الساعتين ))
هناء :
(( أقل من ساعة سيدي فموعدك في تمام الثانية ))
  حازم وهو ينظر إلى ساعته :
(( الآن الثانية عشر وعشرة دقائق ))
هناء تجيبه بابتسامة :
(( لا سيدي ! ، هناك فرق توقيت ساعة فالآن الساعة الواحدة و إحدى عشر دقيقة ))

شعر حازم بنوع من الكبت واللعنة على عدم إدراكه لفرق التوقيت والوقت الذي داهمه من غير سابق إنذار فلن يسعه الآن كي ثيابه وارتداء ما يناسب حجم الاجتماع الذي سيحضره ، ولكنه تمالك أعصابه و تبسم لها قائلاً :
(( لا بأس سأنزل بعد عشرة دقائق ))
أغلقت هناء الباب و هي خارجة لتنتظره في بهو الفندق .
دخل حازم ليغسل وجهه من إرهاق سفر الطائرة و يشعل سيجارة ينفث من خلال دخانها ما شعر به من كبت و هو يفكر بما سيحتاجه معه في الاجتماع .
  صك رأسه بيده و هو يقول :
(( نسيت التصاميم ))
وجل للحظات كادت تطير عقله ثم نفخ ((أوووووف)) الارتياح ليقول : (( لا بأس أعرضها من اللابتوب )) .
أدار عينيه في أركان الحجرة تفحص كل شيء بعينه وفتش بيديه لم يرى اللابتوب ، و احتمل أن يكون نسيه في السيارة ، اتصل بالاستقبال وطلب منهم أن يبحثوا له عن السيدة ((هناء)) فعرفتها موظفة الاستقبال فوراً ، وخلال أقل من دقيقة حدثته
هناء :
(( نعم تفضل سيدي ))
حازم :
(( ممكن أن تحدثي السائق وتسأليه عن اللابتوب، هل هو في السيارة ؟ ))
هناء :
(( سيدي عندما خرجت من صالة القادمين في المطار لم يكن معك سوى حقيبة واحدة ))
سكت حازم للحظات متأملاً ثم قال :
(( يا إلهي ))
هناء :
(( ما بك سيدي ))
لم يجبها فأردفت :
(( سيدي ... سيدي ... أأنت بخير ؟ هل أنت على ما يرام ؟ ))
حازم بصوت مرتجف :
(( هناء أنا في مأزق ...! ))
هناء :
(( ما بك سيدي ))
حازم :
(( أتستطيعين المجيء ))
هناء :
(( أجل سيدي دقائق وأكون معك ))
عندما دخلت هناء إلى حجرته ورأت حاله سألته عما به فأجابها
حازم :
(( نسيت التصاميم الورقية ولا أدري أين اللابتوب ))
هناء :
(( هل أنت متأكد أنك أحضرته معك سيدي؟ ))
حازم :
(( للأسف أنا متأكد إني لم أحضره ولكن لا أدري أين هو الآن..! ))
خيم الصمت لدقائق ثم سألها
حازم :
(( أيمكن تأجيل الاجتماع إلى الليل ؟ ))
هناء :
(( سأتحقق من مديري ولكن أعتقد إن الأمر صعب جداً ))
حازم :
(( حاولي ))
وبعد دقيقتين
هناء : (( سيدي هناك اثنان من المجتمعين الرئيسين سيسافران بعد موعد الاجتماع أحدهما رئيس مجلس إدارة الشركة والآخر كبير مستشاري الشركة الذي أتى خصيصاً لهذا الاجتماع تقله طائرة خاصة يجب أن ترجعه في وقت محدد ، إضافة إلى أن المستشار الياباني أيضا سوف يسافر الساعة الثامنة مساءاً ))
حازم :
(( يا إلهي يا إلهي ماذا أفعل ؟ ))
هناء :
(( أعتذر سيدي على التدخل ولكن لما لا تحاول الاتصال بمن يستطيع إرسال الملفات التي تحتاجها عبر البريد الإلكتروني ؟ ))
ابتسم لفكرتها التي غابت عن ذهنه رغم بداهتها في هذا العصر، فرفع سماعة الهاتف وقد لمح الساعة وإذا بها تشير إلى الثانية عشر وأربع وثلاثين دقيقة ، فأدرك إنه قد بقي 26 دقيقة على موعد الاجتماع .
اتصل على شريكه شارحا الوضع :
(( هادي نسيت اللابتوب والتصاميم والمخططات ))
(( أرجوك ابعثهم فوراً ))
(( إذن سأحاول ولكن أسرع ))

وأجرى اتصالاً ثانياً وعينا هناء ترقبه وهو يراقب الساعة التي وصلت إلى 12,39 ليخاطب السكرتيرة :
(( سعاد أرجوك أنا في مأزق ، أريد منك أن تبعثي ملف من الحاسب الشخصي ))
(( أعلم شغلي الحاسب و سوف أعطيك الرقم ))
مرت ثواني
(( آه يا إلهي .. ما هذا الحظ ما هذه المصائب ))
(( أحضري الحارس ليحطمه بسرعة ))
(( حسناً سأتصل بعد خمسة دقائق ))
بدا حازم قلقاً يحير عينيه في أرجاء الغرفة وهو يدور حول طاولة في وسطها ، حاولت هناء تهدئته ، إلا إن قلقه انتقل إليها فظهر في كلمتها حيث أشارت عليه بمعاودة الاتصال ، فأعاد الاتصال في 12,42 إلا إن سعاد طلبت منه الانتظار ريثما تعاود الاتصال به .
وفي الساعة 12,47 رن جرس هاتفه لتطلب منه سعاد محادثة الحارس الذي رفض كسر الباب رغم محاولتها و من ثم محاولات حازم الحثيثة و صرخاته و فحيحه إلا بحضور أحد الشركاء حازم أو هادي .
عاود الاتصال بشريكه هادي في 12,52
حازم :
(( هادي أين أنت ؟.. الملفات بالشركة .. الباب مقفل ))
(( المفتاح معي ))
(( لا أدري أين ))
(( المهم الحارس لم يقبل كسر الباب ))
(( ممتاز بالانتظار ))
التفت إلى هناء و قد بدأت الابتسامة بالارتسام على وجهه
حازم :
(( شريكي سوف يصل للمكتب بعد دقائق سوف تحل المشكلة ))
ظهر الارتياح على هناء التي تتمنى أن ينتهي لتنتهي هي من هذا الضغط المبالغ جراء متابعتها لضيف هذا الاجتماع .
رن هاتف حازم في تمام 12,59 فأجاب :
(( نعم الرقم السري 0012345432100 ))
(( الحمد لله ))
(( على سطح المكتب [الدسكتوب] ))
(( امممم ... اقرأ أسماء الملفات ))
(( أجل أجل  112 هذا هو المجلد ضعه في ملف مضغوط دفعة واحدة و أرسله فوراً إلى بريدي الإلكتروني ... أنا بانتظارك ))
أقفل الهاتف توجه إلى هناء :
(( الحمد لله ... ولكني أحتاج استخدام حاسوب من الفندق لتحميل الملف ))
هناء :
(( أعتذر سيدي على التدخل بقراراتك ، ولكن الوقت يداهمنا فالساعة الآن الواحدة و خمسة دقائق ، وقد اعتذرت للشركة عن التأخير و أخبرتهم بأن تأخرنا لن يطول ، و تستطيع الاستفادة من حاسبي المحمول أثناء توجهنا إلى الشركة وهو مزود بخدمة انترنت ، ومن ثم تستطيع الاستفادة منه أثناء الاجتماع ))
حازم :
(( ممتنٌ لكي جداً يا هناء ، ولا أدري كيف أستطيع شكرك ))
هناء :
(( بأن تنهي هذا الاجتماع على خير ، و تفضل حتى لا نضيع الوقت ))
خرجا معاً إلى السيارة حيث انتهى حازم من تحميل الملف الضخم عند باب الشركة بفضل سرعة الإنترنت، نزل من فوره وتوجه إلى المصعد متبعاً توجيهات وإشارات هناء .
دخل إلى قاعة الاجتماعات تعلو وجهة ابتسامة مصطنعة تخبئ ما تستطيع من خجله، وبدأ بتقديم اعتذاره ثم أردف الاعتذار باعتذار عن عدم تقديمه للمقدمات المعتادة حفاظاً على وقت المجتمعين، متلافياً بذلك ما سببه من تأخير، فحاز على إعجاب بعض المجتمعين بهذا التصرف، و شرع في وصف المشروع وفكرته ومميزات المبنى عن غيره وإمكانية تطبيقه بأقل مما يتصور من تكاليف .
وأشار أثناء حديث إلى هناء بتشغيل الحاسب وتجهيزه للعرض ، ثم طلب منها تشغيل ملف الشرائح "المشروع النهائي" و استرسل بكلامه شارحاً التفاصيل عن ظهر قلب دون أن يلتفت إليها أو إلى شاشة العرض، تقلب الوجوه أثناء حديثه فوجدها ذاهلة ، سكت للحظة وهو يتفحصهم فسمع كلمة "روعة" التي فلتت من شفتي هناء ، فبان أثر فرحه بهذه الكلمة وهذا الذهول بابتسامة عريضة رسمت على محياه .
عاود الحديث بثقة مضاعفة عما كان عليه معتمداً على ما سببه لهم من إبهار : (( والآن سوف أشرح ما قلته على الصور )) فالتفت إلى الشاشة وهو يلمح عينا هناء معلقة بها ، صعق فارتبك وفقد القدرة على فتح شفتيه .. ماذا يرى ؟
إنه مشروع آخر لمزرعة بها إسطبلات خيل محفوفة بأجمل المناظر التي صممها و أنجزها لتكون واقعاً ملموساً ، ظهرت صورة مضحكة له وهو يعمل بيده وقد اتسخت ثيابه بالطين وغطى الغبار وجهه الضاحك ، ومجموعة أخرى من الصور مع زملائه و أصدقاءه صور جميلة جداً ولكنها محرجة أكثر في مثل هذا الاجتماع .
كسرت هناء الصمت الذي حل على القاعة :
(( ما الأمر ؟ ))
حازم متلكئً :
(( بعثوا ملف خاطئ .. الملف خاطئ .. أعطيتهم رقم مجلد آخر ... ليس هذا بل الآخر ... هو الآخر ... هو ما أريد...  خطأ .. أعتذر ... ))
رئيس مجلس الإدارة :
(( مهندس حازم أنت فنان ... فنان رائع... فقد أعجبني عملك ))
فبدأ حازم بالارتياح محاولاً استعادة السيطرة على أعصابه ليتم عمله
و أردف رئيس مجلس الإدارة :
(( سأحاول الاستفادة منك لمزرعتي متى ما قررت تجديدها ، ولك أن تستفيد من الغرفة المحجوزة في الفندق إلى موعد رجوعك إلى وطنك ولكن دون ضيافة الشركة ))
قام الرئيس تاركاً حجرة الاجتماعات و رحل ...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق