الجمعة، 10 يونيو 2011

هياكل عظمٍ والله أكبر ....(قصة قصيرة)


هياكل عظمٍ  والله أكبر

لم أذق النوم الهانئ لأيام ، فقد كانت تأتيني غفوات لا يدعها القلق أن تغرقني في نوم .

كنت بين يقظةٍ وحلمٍ ، حين رأيت الهياكل العظمية للأموات تسير بين الطلاب ، لم أدر أي طالبٍ هم ، فقد رأيت رموزاً وعلامات لجامعاتٍ ومعاهد ومدارس ، رأيت الذكور والإناث ، رأيت الكبار والصغار ، حتى إني رأيت طفلة تتعلم حرف الدال حين قذفت عينها دمعة خوف.

دققت نظري في الجماجم ، فظهرت لها من الغيب عيونٌ حمرٌ تقدح شراً وشراراً ، ودققت في الأقفاص الصدرية ، فكُشِف عن نظري ، لأرى قلوبهم سوداء ينزف منها حقدٌ شممت من بعيدٍ نتن رائحته .
أجلت بصري ، فرأيت السياط تهوي على متن المستقبل ، و رأيت سيوف ذاك الجيش تقطر من الأمل المقتول ، وهم يصيحون : الموت قادم فلا تطلبوا الحياة .

غطى بعدها نظري سواد ليلٍ ، حتى كسره الضوء من محاجر الأمهات المغسولة بالدموع ، لتغشاني حُلكةَ ظلامٍ ثانية سمعت فيها دوي الدعاء العذب متصل بخيط الفجر ، لأسمع مع نداء الأذان نداء يحيا الوطني ، ليختلط به من بعيدٍ قرعَ طبولٍ مجنزرة ، ودقات أرجلٍ للجحيم سائرة ، اقتربت لأراها ، كانت نفس جيوش العظام تصيح : (( نحن درعٌ يحمي الموت من الحياة )) .

وجه الجيش مدفع الدمار والدماء ، وأطلق خرابه على أهل تلك الديار ، فتبسمت الشفاه و ب((الله أكبر)) أجبوا ، سمعتهم يقولون للعظام : بموتنا حياة .. وبحياتكم موت ، وسمعت قائل منهم يقول : فزت بها فأنا الشهيد التالي .

فهوت من السماء لؤلؤة مضيئة كبيرة ، لترتطم بأرض الوطن ، تفتفت للآلئ منيرة دخلت في كل بيتٍ تنشر من دم الشهيد عبقاً ونوراً وحياة ..

فزعت .. أكان ما رأيت حقيقةً ، أم هو أضغاث أحلام نائم ؟
فتحت التلفاز ، فرأيتهم يرشقون نعش الشهيد برصاص الغدر ، ليعدموا وعد الله له في الحياة  .. !!


الأربعاء، 8 يونيو 2011

هي ((أُم ...)) و هو .... ! (قصة قصيرة)


هي ((أُم ...)) و هو .... !
استيقظت بفزعٍ على بكاء صغيرها ، أخذتها سِنة فلم ترضعه ، سارعت بعينها الناعسة ترضعه ، و تناولت دفاتر شقيقه تراجع حل فروضه المدرسية ، ابتسمت في تثائبها على جودة فعل ثمرها .

تركته بعد الرضاع مستيقظاً وهمت إلى إخوته توقظهم ، " هيا وقت المدرسة استيقظوا .. هيا يا حلا ... قم يا خالد .. يا هاشم دعك من الكسل .." ، وما إن استيقظ الأول ذهبت لأخته تتأكد من يقظتها وعادت إليه لتجد خالدها غط بالنوم ، أيقظته ودارت بين الثلاث إلى أن اطمئن قلبها .

ذهبت تعد إفطارهم  ثم عادت إليهم تدقق ثيابهم وحقائبهم ، ثم عرجت على رضيعها لفته بقماطه نائماً ، لتحمله معها وهي تستحث صغارها صائحة بهم : " هيا بسرعة .. بسرعة ... لا نريد التأخر " .

ركبوا معها السيارة وقبل أن توصلهم لمدارسهم وقفت بهم على محل بقالة ليتزودوا بما لذ وطاب لهذا اليوم الدراسي الطويل ، وتأكدت من دخولهم مدارسهم واحداً تلو أخيه .
عادت إلى بيتها وبدأت بأعمالها المعتادة ، ترتيب الصالة وغسل أواني الإفطار وبقايا الأمس ، ومهاتفة والدتها ، للتجاذب معها تفاصيل حياتها و تستلهم من خبرتها بالطهي ما يلذ معه طعامها ، إلى أن قاطعها صوت رضيعها ، فسارعت إليه تغسله فترضعه ، لتحمله معها إلى السوق المركزي تتبضع حاجيات المنزل ، وهناك صادفتها صديقة دراسة فأخذت معها نصف ساعة من السؤال عن الأحوال واسترجاع لذكرياتٍ تبسم الثغور لحلوها ومرها ، لتكمل بعدها تسوقها في السوق و تنتقل للجزار تنتقي حاجتهم من اللحم .

وفي طريق عودها ، عرجت على المصرف تنجز معاملة ، وهناك التقت ابن خالتها صديق الطفولة والصبا ، استقبلها بابتسامة مودة ردتها بابتسامة عريضة تعكس مدى سرورها بلقياه ، فأتبعتها بسيلٍ جارفٍ من الأسئلة ، عن زوجته و أبناءه و عملة ، لم يجب كل أسئلتها ، فقد استأذنها لارتباطه بموعد عمل مستعجل ، فابتسمت بخجل ، والتفتت إلى كثرة أسئلتها وكلامها ، لكنها بقيت مسرورة بهذا اللقاء.
عادت إلى البيت ثانية ، لتبدأ بإعداد ما ستطهو و وضعت اللحم على النار ، ثم ذهبت لوضع الثياب في الغسالة ، وهي تبتسم لهذا الاختراع المريح حين مرت بخيالها الصورة النمطية للطريقة القديمة لغسل الثياب ، ثم ذهبت لِـكَي كومة أخرى من الثياب ، وهي تتساءل : كيف كن أمهات زمان ينجزن كل هذه الأمور بدون أجهزة حديثة تساعدهن ؟.
"ياه نسيت طبق الحلو " أسرعت لإعداده ، ثم عرجت على الغسالة تخرج الثياب ، ثم أكملت ما عليها كيه فوراً ، ثم عادت إلى مطبخها تكمل إعداد الطعام ، وجهزت الأطباق و السفرة ، وأخذت صغيرها مسرعة لتحضر أبناءها من مدارسهم .
وكعمل روتيني معتاد دارت على مدارسهم تلتقطهم دون أدنى تأمل ، ثم في الطريق اشترت لهم الآيسكريم ولكن على شرط أن يتركوه إلى ما بعد الغداء ، وفي الأثناء سألتهم عن يومهم و دروسهم و وبخت من شاءت على توسيخ ثيابٍ أو إهمالٍ ، إلى أن وصلوا إلى البيت .

دخلوا البيت و كالعادة أمرتهم بتبديل ثيابهم وغسل أياديهم فوراً ، وقامت هي بتجهيز الطعام ثم نادتهم .

تحلّق الأطفال حول الطعام ، نظرت إليهم ،  بحثت عيناها ، رأت رضيعها يبتسم ، فغرت فاهها ، هرولت إلى حجرتها ، وقفت أمام مرآتها رتبت شعرها تعطرت ، وبهدوءِ شديد نادت " حبيبي ... حبيبي ... " برقت عينان حمراوان ، فتراجعت خطوة "حبيبي غداءك جاهز .. نحن ننتظرك " .

الخميس، 2 يونيو 2011

هيا نقصيهم!


لا أعتقد أنه يختلف اثنان على وجود حالة من الاحتقان في المجتمع الكويتي، وإن اختلفا في شدتها ونسبتها، فهناك من يقول إنه حالة شاذة بدأت بالظهور، وهناك من يعتقد- وأنا منهم- أننا نقف على بركان من الدماء يمكن أن ينفجر في أي وقت، ومعركة المجلس ليست إلا وجها من وجوه تفريغ الاحتقان، التي لو لا عقل بعضهم وحكمة سموه لانتقلت إلى الشارع.
كلنا ينبذ حالة الاحتقان، ونحن المحتقنين، نرفضها ونثبتها في أنفسنا، ونصفق لدعاتها، ونهلل لنتائجها، ونصرخ في وجه من يعارضها، ومن يقول للخطأ خطأ، نثور غضبا وحنقا ضد من يقول لنا أو لدعاة الاحتقان «لا»، ونكيل التهم للمقابل.
وبما أن نسبة عالية من الخطأ فينا، فالإصلاح يجب أن يبدأ من المجتمع، منا جميعاً، يجب أن نتحمل الآخر مهما كانت عقائدنا مختلفة، ويجب أن نتخذ جميعنا بكل أطيافنا وطوائفنا وخلفياتنا الفكرية موقفاً حازماً ضد دعاة الفتنة، وأن ننظر بعين الإنصاف إلى الأمور، فلا نستفز المقابل ولا نرضى ممن في دائرتنا (المذهبية، الفئوية، القبلية) باستفزازه، يجب علينا أن نقصي الأطروحات الهدامة من خطابنا، كما علينا أن نقصي دعاة الفتن من بيننا أيا كانت صفتهم.
لكن الإقصاء ليس بسحب الجنسية، فهو لا يقصي الفكر، وليس بقانون نحلم به لتجريم نشر الكراهية والتحريض على العنف، إن الإقصاء الأشد هو الإقصاء الاجتماعي، فلا نستقبلهم في أنديتنا ودواويننا، ولا نتبعهم في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، فهذا الإقصاء هو الذي يرسخ في المجتمع نبذ هذه الأفكار، والدعوة إلى الحب والتسامح، وعندما نرى في دائرة ما صوت نشاز يدعو إلى الفتنة، ولا يردعه أحد فسوف نحسب معظم الدائرة إن لم تكن كلها تنعق نفس ذاك الصوت النشاز.
فمن المزعج والشاذ جداً أن نرى البعض يطبل ويزمر ويهلل ويكاد يرقص لأبطال الفتن، وينحر لهم بعيراً في منحر الوطن، بينما تقصى الأصوات المعتدلة وتهاجم وتحارب من دوائرها، في حين هي الأحق بالاحترام والتبجيل، فكثير من أصوات الرحمة بالبلد تدفع ثمن وطنيتها وحبها لأرضها من سمعتها وراحتها، وللأصوات الوطنية كل تحية.
«خربشة»: أحد النواب الأفاضل قال كلمة عظيمة عندما تكلم عن استفزاز يمارس ضدهم من سنتين، ذكرني بما قيل له عبر «تويتر»، إن السبب في انتشار سب الصحابة هو استفزاز يمارس من سنوات طويلة يجب إيقافه، ولكنه أنكره، أتمنى أن يكون قد شعر وغيره بمدى أثر هذا الاستفزاز، ويكون قلبه واسعاً لاختلاف مواطنين هو ممثلهم، وإلا كان مستحقاً للإقصاء.

تاريخ النشر 
28/05/2011

الخصوصية والتعميم بين المذهبية والوطنية


الخصوصية والتعميم بين المذهبية والوطنية
يقع البعض في خطأ التعميم إما متعمداً وإما ساهياً، ولابد من تسليط الضوء على هذا الخطأ الذي يوقعنا بخلط سيئ للأوراق، ويجر علينا ويلات لا تحمد عقباها، إذ يمكن أن يهدد كيان الدول وتماسك الشعوب.
ولابد أولاً أن نتبين المقصود من الخصوصية والتعميم، فإذا نظرنا إلى الفرد، نرى أن له أكثر من جهة وحيثية يُنظر إليه منها، فيمكن أن ينظر إليه من حيث الوطن، اللون، العرق، الدين والمذهب، المهنة، المنهج السياسي... إلخ. وللفرد في كل حيثية دائرة تضم المشتركين معه في تلك الحيثية، فالفرد المنتمي إلى دائرة من حيث خصوصية معينة، ينتمي إلى دوائر أخرى من حيثيات وصفات وخصوصيات أخرى. فعند وقوع نزاع لخلاف ما أو خطأ أو جرم من أحد الأفراد في دائرة معينة، يجب أن يتم التعامل من حيث خصوصية تلك الدائرة، لا من حيث خصوصيات الفرد الأخرى التي يجتمع بها مع أفراد من خارج الدائرة التي وقع فيها الحدث، فعند التعميم على الخصوصيات الأخرى يدخل أطرف تلك الدوائر قهراً في النزاع الواقع في الدائرة الأولى. ونضرب مثالاً للتقريب: طالب كويتي في جامعة أجنبية، وقع نزاع بينه وبين الأستاذ، فعبر عنه الأستاذ بالفاشل، إلى هنا هذا أمر اعتيادي وداخل دائرته، ولكن لو قال له: أنت فاشل لأنك كويتي أو إن الكويتيين «فشلة»، فسوف يدخل كل فرد كويتي في نزاع قام بدائرة أخرى، لوجود فرد مشترك بين الدائرتين، ولو عممها على المسلمين فسوف تدخل دائرة أكبر في النزاع، ولو كان لونه أسود وزاد عليها لأنك كويتي ومسلم وأسود، فسوف تدخل دائرة اللون أيضا في النزاع.
السياسيون لهم فن في هذا التعميم على الخصوصيات للهروب من واقعهم القُطْري، فيقع حدث في قُطر معين، لا يستطيع السياسي السيطرة عليه، فيقوم بخلط الأوراق ويعمم على الدوائر الأخرى له ولخصومه، من حيثيات وخصوصيات أخرى غير الوطنية، ليخلق جبهات أكبر، يسعى من خلالها إلى الحصول على نفوذ ودعم دوائر أخرى يشترك معها بحيثيات غير القُطرية أو غير الوطنية، وأشد الدوائر قوةً وتأثيراً فوق الوطن هي دائرة الدين. في إحدى الدول العربية وقع خلاف وطني، فقد فيه الساسة السيطرة، فقاموا بتوسيع الدائرة، وتعميم الخلاف إلى دوائر مذهبية وقومية، فبمجرد أن يثيروا في الدوائر الأخرى أن سبب الخلاف هو انتماؤهم إلى تلك الدائرة المذهبية أو القومية، سوف يحفزون كل أفراد الدائرة للدخول في صراعهم القُطري، هذا التعميم له سلبيات أكثر من إيجابايته، أقلها إيجاد خلاف واحتقان بخلفيات قوية بين أفراد دائرة الوطن، يمكن لهذا الخلاف أن يزلزل كيان الوطن القائم على التعايش، إضافة إلى زلزلة كيانات الدول التي ينتقل إليها هذا الخلاف بسبب التعميم.

تاريخ النشر 21/05/2011